"إننا نعيش الحرب الصليبية الثالثة.. وكانت الأولى هي التي دعى إليها البابا أربان الثاني في نوفمبر ١٠٩٥م والثانية بدأت بنزول نابليون في الإسكندرية في يوليو ١٧٩٨م.. أما الثالثة يصعب تحديد بدايتها لأنها لا تعتمد على الحملات العسكرية حتى نؤرخ لها بيوم الغزو. بل إن مدفعيتها الثقيلة هي الغزو الفكري.. وهي عملية معقدة ومستمرة، تتسلل على نحو يصعب تماما تحديد بدايته.. بل ربما تمتد جذورها إلى الحرب الصليبية الأولى. وفي مواجهتها ليس لنا من سلاح إلا ديننا ... ".
كان هدف التبشير هو التمهيد للغزو المسلح، ثم تدعيم هذا الغزو.. ولكن تجارب المبشرين أثبتت استحالة تنصير المسلمين، بل اكتشفت أن الهجوم السافر يستفز عناصر المقاومة ولو من باب العصبية. كذلك كان المبشرون يعرفون أن عنصر السيطرة الاستعمارية إلى زوال، وأن القوة المسلحة التي ساندت تصرفاتهم الوقحة زائلة، ومن ثم أعدوا سلاح الغزو الفكري.. أي إعادة ترتيب عقل المسلم بحيث يفكر منطلقا من مقدمات صليبية على أنها هي الحقائق، فيخرج منها بنتائج صليبية دون أن يخلع دينه، ولا حاجة إلى تعميده بالماء المقدس فقد عُمّد بالفكر غير المقدس.
والمسلم إذا تشرب طقوس الحضارة الغربية واطمأن إليها، بل وأيقن بتفوقها عليه.. انهارت مقاومته، وأصبح كالمدينة المفتوحة مستباحة لكل ناهب ومقتحم.
إذن فالحرب سجال بيننا وبين الحضارة الغربية. وأرض المعركة الآن هي الفكر.. محولة اقتحام القلعة الإسلامية بالأفكار والمبادئ والقيم.. حتى يتم خلع القيم الإسلامية، وتدمير المثل العربية لكي يتحول المواطن العربي إلى قرد يحاكي الحضارة الغربية، ويقضي العمر في اقتفاء أثرها بلا أمل في التفوق.. لأنه قد رضي بدور الظل، وأنىّ للظل أن يسبق سيده؟!..".