وفي وقعة ذهب أحد المقاتلين بعد المعركة يبحث عن أخ له ومعه قدح من ماء لعله يسعفه به فلما وجده وقدم إليه القدح فأهوى به إلى فمه سمع أنينا بجواره فأشار إلى أخيه أن اذهب بالماء إليه لعله أحوج إليه مني فلما وصله وأهوى بالقدح إلى فيه سمع هو أيضا أنينا بجواره فقال له اذهب به إليه لعله أحوج إليه مني. فلما وصل إليه وجده قد فارق الحياة فعاد إلى الثاني فوجد روحه قد فاضت فعاد إلى أخيه فإذا به قد استسلم وبقي القدح على يديه ومات ثلاثتهم ظمأ إيثارا للغير على النفس في أحوج المواقف وأشد الحاجة.
وفي الإحسان إلى المسيء الصور العديدة ومن أوضحها ما حكي عن زين العابدين ابن الحسن بن علي رضي الله عنهم أن جارية كانت تصب عليه الماء فسقط منها الإبريق فآذاه. فنظرت إليه في إشفاق وقالت: يا يسدي الله تعالى يقول: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ} فقال لها كظمت غيظي، ثم قالت {وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ} . فقال لها عفوت عنك، فطمعت وقالت {وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} قال: اذهبي فأنت حرة لوجه الله ...
ومما يدل في هذا المجال التوجيه إلى ما هو أفضل وأحسن والانطلاق إلى الفضائل والإحسان سواء في العبادات والقرب إلى الله أو في المعاملات وحقوق الإنسان.
فمن العبادات في الصوم {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ} فالحد الأدنى للفدية عن اليوم طعام مسكين. ثم ندبه إلى الزيادة في الخير ومن تطوع خيرا فهو خير له..