للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ويجنبه فضول الطعام والكلام والمنام ومخالطة الأنام، فإن الخسارة في هذه الفضلات وهي تفوت على العبد خير دنياه وآخرته، ويجنبه مضار الشهوات المتعلقة بالبطن والفرج غاية التجنب، فإن تمكينه من أسبابها والفسح له فيها يفسده فسادا، يعز عليه بعده صلاحه، وكم من أشقى ولده وفلذة كبده، في الدنيا والآخرة بإهماله وترك تأديبه وإعانته له على شهوته، ويزعم أنه يكرمه وقد أهانه وأنه يرحمه وقد ظلمه وحرمه، ففاته انتفاعه بولده وفوت عليه حظه في الدنيا والآخرة، فإذا اعتبرت الفساد في الأولاد، رأيت عامته من قبل الأباء _ قلت والأمهات _.

والحذر كل الحذر من تمكينه من تناول ما يزيل عقله، من مسكر وغيره أو عشرة من يخشى فساده، أو كلامه له أو الأخذ من يده فإن ذلك الهلاك كله، ومتى سهل عليه ذلك فقد سَهُل الدياثة ولا يدخل الجنة ديوث، فما أفسد الأبناء مثل تفريط الآباء وإهمالهم واستسهالهم شرر النار بين الثياب، فأكثر الآباء يعتمدون مع أولادهم أعظم ما يعتمده العدو الشديد العداوة مع عدوه وهم لا يشعرون فكم من والد حرم ولده خير الدنيا والآخرة وعرضه لهلاك الدنيا والآخرة، وكل هذا عواقب تفريط الآباء في حقوق الله وإضاعتهم لها وإعراضهم عما يوجب الله عليهم من العلم النافع والعمل الصالح حرمهم الانتفاع بأولادهم، وحرم الأولاد خيرهم، وهو من عقوبة الآباء.

ومما ينبغي أن يعتمد حال الصبي وما هو مستعد له من الأعمال ومهيأ له منها، فيعلم أنه مخلوق له فلا يحمله على غيره ما كان مأذونا فيه شرعا، فإنه إن حمل على غير ما هو مستعد له لم يفلح فيه، وفاته ما هو مهيأ له فإذا رعاه حسن الفهم صحيح الإدراك جيد الحفظ واعيا فهذه من علامات قبوله وتهيئته للعلم، لينقشه في لوح قلبه ما دام خاليا فإنه يتمكن فيه ويستقر ويزكو معه.