وهذا المعنى الذي قلناه في ذلك هو معنى قول من قال: في القرآن من كل لسان عندنا. بمعنى والله أعلم: أن فيه من كل لسان اتفق فيه لفظ العرب ولفظ غيرها من الأمم التي تنطق به وبهذا تبين عنده: خطأ من زعم أن القائل من السلف: في القرآن من كل لسان إنما عني بقيله ذل أن فيه من البيان ما ليس بعربي ولا جائز نسبته إلى لسان العرب. ويقول الطبري مستدلا بالآيات التي مرت علينا الناطقة بعربية القرآن ونفي ما سوى العربية عنه:
وذلك أنه غير جائز أن يتوهم على ذي فطرة صحيحة مقر بكتاب الله ممن قرأ القرآن وعرف حدود الله أن يعتقد: أن بعض القرآن فارسي لا عربي وبعضه نبطي لا عربي وبعضه رومي لا عربي وبعضه حبشي لا عربي بعدما أخيرا الله تعالى ذكره عنه: أنه جعله قرآنا عربيا.
ولو أن هذه الأدلة غير موجودة لمن نفى عنه سوى العربية له أن يقول ما قاله الطبري في نقاشه هذا وهو:
لأن ذلك إن كان كذلك فليس بأولى بالتطويل من قول القائل هو عربي.
ثالثا- أما الجواب على الدليل الثالث:
قال الشافعي فيه: فإذا كانت الألسنة مختلفة بما لا يفهمه بعضهم عن بعض: فلا بد أن يكون بعضهم تبعا لبعض، وأن يكون الفضل في اللسان المتبع على التابع وأولى الناس بالفضل في اللسان من لسانه لسان النبي ولا يجوز والله أعلم - أن يكون أهل لسانه أتباعا لأهل لسان غير لسانه في حرف واحد بل كل لسان تبع للسانه، وكل أهل دين قبله فعليهم اتباع دينه.
أما الرأي الذي يوفق بين المذهبين بأن يرد هذه الألفاظ إلى اللغات الأعجمية في الأصل، وللعربية معربة في الحال. كفى في مناقشة ما سبق وما سيجده القارئ من أن الراجح المستند على الأدلة: هو أن هذا من باب توافق اللغات كما ذهب إليه الإمام الشافعي، والطبري وكثيرون وفسروا به مراد من تقدمهم..