على كل متعلم أن يعلم أن رواية الحديث يجب أن ينضم إليها الفقه ومعرفة اختلاف الصحابة والتابعين والأئمة المرضيين وإلا ما استطاع أن يدرك شيئاً من الأحكام، لأن المعنى الظاهر وحده ليس هو الفقه، بل الفقه في الاستنباط ومعرفة المقاصد والعلل، والناسخ والمنسوخ بجميع أنواعهما، ولذلك كما سبق في المسألة الرابعة كان كثير من كبار المحدثين وعظماء الحفاظ غير مشهورين بالفقه مع شهرتهم في علم الحديث وروايته، وشأن العلماء المنصفين الاعتراف لأهل كل اختصاص باختصاصهم فهذا الشافعي رحمه الله يبين هذه الاختصاصات فيقول [١٠] : "من أراد أن يتبحر في الفقه فهو عيال على أبي حنيفة كان أبو حنيفة ممن وفق له الفقه، ومن أراد أن يتبحر في الشعر فهو عيال على زهير بن أبي سلمى، ومن أراد أن يتبحر في المغازي فهو عيال على محمد بن إسحاق، ومن أرد أن يتبحر في النحو فهو عيال على الكسائي، ومن أراد أن يتبحر في التفسير فهو عيال على مقاتل بن سليمان". اهـ.
وقال ابن الماجشون:"كانوا يقولون لا يكون إماماً في الفقه من لم يكن إماماً في القرآن والآثار ولا يكون إماماً في الآثار من لم يكن إماماً في الفقه. فانظر كيف توهم قوم بعد ذلك أن الاشتغال بالرواية يكفي لمعرفة الأحكام وكيف فصلوا بين الفقه والأثر".
يجب على المتعلم مع الاشتغال بالحديث والرواية أن يعرف مذاهب الفقهاء واختلافهم حتى يكسب ملكة الاستنباط..
قال صلى الله عليه وسلم:"رب حامل فقه غير فقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه". فبين بذلك أن الحديث فقه وأن مجرد حمله لا يعني كون حامله فقيهاً..