والناس يتفاوتون في الفقه نتيجة لاختلافهم في الأفهام، والفقه هو الفهم فبعض الأئمة في الجملة أفقه من بعض وبعضهم في مسألة أفقه من بعض ومن أفقه الأئمة أبو حنيفة إن لم يكن أفقههم، روي عن ابن المبارك قوله:"إن كان الأثر قد عرف واحتيج إلى الرأي فرأي مالك وسفيان الثوري وأبي حنيفة. وأبو حنيفة أحسنهم وأدقهم فطنة وأغوصهم على الفقه وهو أفقه الثلاثة"[١١] . وإليك مثالاً يبين لك كيفية تفاوت الفقهاء في فهم المسألة الواحدة:
روي عن إسماعيل بن حماد قال: شككت في طلاق امرأتي فسألت شريكاً فقال: "طلقها وأشهد على رجعتها"، ثم سألت سفيان الثوري فقال:"اذهب فراجعها فإن كنت قد طلقتها فقد راجعتها"، ثم سألت زفر بن الهذيل فقال لي:"هي امرأتك حتى تتيقن طلاقها"، فأتيت أبا حنيفة فقال:"أما سفيان فأفتاك بالورع وأما زفر فأفتاك بعين الفقه وأما شريك فهو كرجل قلت له: لا أدري أصاب ثوبي بول أم لا؟ فقال لك: بُلْ على ثوبك ثم اغسله".اهـ
فينبغي على كل متعلم أن يعتني بمعرفة الوجوه المختلفة والاستدلالات ويطلع على اختلاف المذاهب ولا يكتفي بوجه واحد أو يعتمد على عالم واحد فإن مثل من يعتمد على عالم واحد مثل الذي له امرأة واحدة إن حاضت بقي [١٢] وهذا هو المقصود من قول الأئمة بأن من لم يعرف الخلاف لم يشم رائحة الفقه.
المسألة السادسة:
طبقات الناس بالنسبة للعلم وعدمه ثلاثة كما روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه:"عالم رباني، ومتعلم على سبيل نجاة، وهمج رعاع أتباع كل ناعق لم يستضيئوا بنور العلم ولم يلجئوا إلى ركن وثيق".