أَجْمَعُونَ} توكيدان. أما الأولى فلإفادة أنه لم يبق منهم أحد إلا سجد، وأما الثاني فلإفادة أن سجودهم كان بطريق المعية وأنه لم يتأخر أحد عن أحد، وهو في هذا يفيد ما يفيده الحال ويزيد عليه معنى التوكيد. والفاء أفصحت عن مقدر أي فخلقه فسواه فنفخ فيه الروح فسجد الملائكة. هذا وإذا أمر الله تعالى بالسجود لآدم لا يكون السجود عبادة لآدم بل عبادة الله الآمر بالسجود طاعة له. وإنما فيه تكريم لآدم كالسجود لجهة الكعبة. وقوله {إِلاًَ إِبْلِيسَ} الاستثناء منقطع لأنه كان من الجن فهو من باب قام القوم إلا حماراً. فإن قيل: إذا كان إبليس من الإبلاس كما مرّ فهلا صرف؟ أجيب بأنه إنما لم يصرف إذ كان اسماً لا نظير له من أسماء العرب فشبهته العرب بأسماء العجم فمنعته من الصرف.
المعنى الإجمالي:
قل يا محمد ما أنا إلا رسول يعلمكم عن ربه، ويخوفكم، ولا معبود بحق إلا الله الذي لا شريك له العالي على جميع خلقه سيد كل شيء ومليكه ومربيه، الغالب الذي يستر سيئات عباده وهو قادر على أن يؤاخذهم بها. قل يا محمد: هذا القرآن خبر خطير جليل أنتم عنه صادون غافلون. من أين أعلم حال الملائكة وقت تراجعهم في شأن آدم وامتناع إبليس عن السجود فأنا أميٌّ لم أقرأ كتاباً ولم أتخلف إلى من يعلمني، ما علمته إلا من طريق الوحي، وما أوحي إليّ إلاّ لأني نذير بيِّن الإنذار واضحه.
من أين أعلم حال الملأ الأعلى إذ قال ربك للملائكة إني موجد إنساناً بادي البشرة من طين، فإذا عدلته وأتممت خلقه، وبعثت فيه الحياة فخروا له على وجوهكم ساقطين، فلما خلقه وعدله، ونفخ فيه الحياة، سجد الملائكة لم يتخلف منهم أحد، ولم يتأخر أحد في السجود عن أحد، إلا إبليس تعاظم وصار من الجاحدين العاصين.