وفي هذا كله دليل على أن الحق في الحكم وفي تشريع الأحكام لله تعالى وحده وأن من عداه يكون شركاً مع الله كما في قوله تعالى:{أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} . وبالتالي يكون من أطاعهم فيما شرعوا مما لم يأذن الله به مشركاً مع الله، وهو المسمى شرك الطاعة المنوه عنه في قوله تعالى:{وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} .
فجعل تعالى طاعتهم فيما يوحون به شركاً، وذلك بعد قوله تعالى:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ} ، فقالوا ما قتلتموه يكون حلالاً وما قتله الله يكون حراماً، فأنزل الله الآية {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} .
وعن عكرمة قال:"الشياطين هنا مردة الأنس من مجوس فارس". وعن عبد الله بن الزبير أنه قيل له:"إن المختار يقول يوحى إليّ" فقال: "صدق إن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم". ويشهد لهذا قوله تعالى:{أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزّاً} .
ومن هنا كانت طاعة غير الله فيما لم يأذن به الله ربوبية لهم. قال تعالى:{اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّه} وسئل حذيفة عن هذه الآية هل عبدوهم فقال: "لا. أحلوا لهم الحرام فاستحلوه. وحرموا عليهم الحلال فحرموه".