وإذا كان علماء الأخلاق يعنونون لأصول الأخلاق والفضائل بالمروءة فإن المروءة كانت شعاره ودثاره. وكانت هي التي تحكمه في جميع تصرفاته سواء في نفسه أو مع إخوانه وطلابه أو مع غيرهم من عرفهم أو لم يعرفهم. وقد قال فيه بعض الناس في حياته إنه لا عيب فيه سوى عيب واحد هو أننا نفقده بعد موته.
وإن تفصيل ذلك لمتروك لمن خالطه عن قرب. ولقد استعصى علي المقال في ذلك ولكأني بقول القائل:
أهابك إجلالاً وما بك سلطة
علي ولكن ملء عين حبيبها
ولكن قد تكفي الإشارة إذا لم تسعف العبارة. وأقرب شيء زهده في الدنيا وعفته عما في أيدي الناس وكرمه بما في يده: لأن هذا لا يعلم إلا لمن خالطه وليس كل من خالطه يعرف ذلك منه بل من داخله ولازمه.
والواقع أن الدنيا لم تكن تساوي عنده شيئاً فلم يكن يهتم لها. ومنذ وجوده في المملكة وصلته بالحكومة حتى فارق الدنيا لم يطلب عطاء ولا مرتباً ولا ترفيعاً لمرتبه ولا حصولاً على مكافأة أو علاوة. ولكن ما جاءه من غير سؤال أخذه وما حصل عليه لم يكن ليستبقيه بل يوزعه في حينه على المعوزين من أرامل ومنقطعين وكنت أتولى توزيعه وإرساله من الرياض إلى كل من مكة والمدينة. ومات ولم يخلف درهماً ولا ديناراً وكان مستغنياً بعفته وقناعته. بل إن حقه الخاص ليتركه تعففاً عنه كما فعل في مؤلفاته وهي فريدة فينوعها. لم يقبل التكسب بها وتركها لطلبة العلم.
وسمعته يقول: لقد جئت معي من البلاد بكنز عظيم يكفيني مدى الحياة وأخشى عليه الضياع. فقلت له وما هو قال القناعة. وكان شعاره في ذلك قول الشاعر:
الجوع يطرد بالرغيف اليابس
فعلام تكثر حسرتي ووساوسي
وكان اهتمامه بالعلم وبالعلم وحده وكل العلوم عنده آلة ووسيلة وعلم الكتاب وحده غاية وكان كثيراً ما يتمثل بأبيات الأديب محمد بن حنبل الحسن الشنقيطي رحمه الله في قوله: