حقاً إنه لم يسئ بالعلم ظناً ولم يهب في تحصيله شوك النخل ولا إبار النحل. فنال منه ما أراد واقتحم الحمى على عذارى المعاني وأباح حريمها جبراً عليها وما كان الحريم بمستباح.
أما مكارم أخلاقه ومراعاة شعور جلسائه فهذا فوق حد الاستطاعة فمذ صحبته لم أسمع منه مقالا لأي إنسان ولو مخطئ عليه يكون فيه جرح لشعوره وما كان يعاتب إنساناً في شيء يمكن تداركه وكان كثير التغاضي عن كثير من الأمور في حق نفسه وحينما كنت أسائله في ذلك يقول:
ليس الغبي بسيد في قومه
ولكن سيد القوم المتغابي
ولم يكن يغتاب أحداً أو يسمح بغيبة أحد في مجلسه وكثيراً ما يقول لإخوانه (اتكايسوا) أي من الكياسة والتحفظ من خطر الغيبة. ويقول إذا كان الإنسان يعلم أن كل ما يتكلم به يأتي في صحيفته فلا يأتي فيها إلا الشيء الطيب.
ومما لوحظ عليه في سنواته الأخيرة تباعده عن الفتيا وإذا اضطر يقول: لا أتحمل في ذمتي شيئاً العلماء يقولون كذا وكذا.
وسألته مرة عن ذلك: فقال إن الإنسان في عافية ما لم يُبتلى والسؤال ابتلاء لأنك تقول عن الله ولا تدري أتصيب حكم الله أم لا. فما لم يكن عليه نص قاطع من كتاب الله أو سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وجب التحفظ فيه.