ولقد استخدم إقبال عبقريته الشعرية ومواهبه الأدبية في نشر عقيدته ودعوته, وكان خير مثال للشاعر المؤمن والعالم الداعي والفيلسوف الحصيف, وقد أحدث إقبال هزة في الأفكار والآداب في قطر من أعظم الأقطار الإسلامية وأوسعها, وتجاوز تأثيره إلى أقطار بعيدة, وسمع له صدى في أنحاء العالم.
والسبب الثالث الذي دفعني للحديث عنه وقوفه مع أمتنا وقضاياها المواقف التي تتفق مع العقيدة التي آمن بها, والرسالة التي قضى حياته في سبيلها.
ففي قصيدته (هدية إلى الرسول) يتخيل أنه حضر عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال له النبي: "ماذا حملت لنا من هدية؟ ", فاعتذر الشاعر عن هدية الدنيا وقال: إ"نها لا تليق بمقامكم الكريم, ولكن جئتك بهدية, إنها زجاجة يتجلى فيها شرف أمتك, إن فيها دم شهداء طرابلس", وحينما طلبت فرنسا من إقبال أن يزور مستعمراتها في شمال إفريقية رفض دعوتها, وأبى أيضا أن يزور جامع باريز وأساتذته, وقال: "إن هذا ثمن بخس لتدمير دمشق وإحراقها".
ولما مرّ بصقلية في طريق عودته إلى بلاده من رحلته التي قام بها لأوروبا قال: "إبك أيها الرجل دماً لا دمعاً؛ فهنا مدفن الحضارة الحجازية".
ولا ينسى الشاعر أن يدحض مزاعم اليهود, ويردّ دعواهم على أعقابهم حينما يدّعون ملكية فلسطين؛ لأنهم سكنوها في قديم الزمان, فيقول ساخرا: "أما كان للعرب أن يطالبوا بأسبانيا, تلك التي ملكوا زمامها في غابر الأيام, وملأوا ربوعها علماً ونوراً".
وحينما زار الشاعر إسبانيا قال لمدير أحد الفنادق الكبرى في قرطبة: "أين أحفاد العرب في هذه البلاد؟ "فقال له المدير: "إنني منهم", ثم جمع له وجوهاً من خيارهم, فقال إقبال:
بأعينهن المراض الحسن
إلى اليوم تلك ظباء الحمى
على صيد أسد الشرى كل آن
وألحاظها لم تزل قادرات
وهذا النسيم عبير يمان
وتلك المحاسن طبع الحجاز
وإن زال سكان تلك الجنان