فحي الجنان وسكانها
ولم ينس الشاعر أن يزور مسجد قرطبة ويقرأ الآيات القرآنية المسطورة بالمداد الذهبي على جدارنه, وكان ذلك أثر كبير في نفسه, وأنه ليقول في ذلك: "لقد أحسست بالعطر والنسيم والجمال, وفهمت لماذا اختار العرب بلاد الأندلس, فهي المكان الذي لا يأسن فيه الماء, ولا يتغير مع هوائه الطعام, وعرفت لماذا اختار العرب, هذا الوطن الذي انبعثت منه مدنيات العالم الحديث, ولما قام فرانكو بالحرب الأسبانية الأهلية كان جنوده الفاتحون من مراكش, فقال بعض الناس لإقبال: "ها هم العرب مرة أخرى قاموا يفتحون الأندلس بعد خمسمائة عام, فقال إقبال: "هل قرأت قصيدتي عن قرطبة وأخذ يتلو منها:
جنة الحسن الذي يجلو النظر
أيها النهر الذي شاطئه
حلم الماضي الذي عنك استتر
فوق شطيك سرى في مقلتي
في حجاب خلف مجهول القدر
غير أن القوم في سكرتهم
قد تجلى لي ضحاها في السحر
وأرى في حلم ليلي يقظة
لو كشفت عن كنز الفكر
يزعج القوم ندائي للعلا
وإقبال هو الذي ينادي العرب من خلف السهوب ومن وراء البحار فيقول:
من سواكم حل أغلال الورى
أمة الصحراء يا شعب الخلود
صاح لا كسرى هنا لا قيصرا
أي داع قبلكم في ذا الوجود
أطلع القرآن صبحا للرشاد
من سواكم في حديث أو قديم
ليس غير الله ربا للعباد
هاتفا في مسمع الكون العظيم
وسل الحمراء واشهد حسن تاج
لا تقل أين ابتكار المسلمين
نحوها طوعا يؤدون الخراج
دولة سار ملوك العالمين
مظهر العزة والملك الحصين
دولة تقرأ في آياتها
دونها حارت قلوب العارفين
وكنوز الحق في طياتها
لنبي الله قدسي الجناب
أرسل الشكر إلى غير انتهاء
أوقد النور بكف من ترا
أشعل الإيمان نارا بالعراء
عزمة فل بها سيف الغير
وحباه الله من عليائه
سار فيها راكب خيل القدر