وانتهت الخطى بفخري إلى خارج حدود المعسكر.. وتفتقت ذاكرته عن مشاهد جديدة طرية.. لم يحن أوان جفافها بعد..
إنه ليتذكر رحلته إلى الهند، يوم أن انتدبه لورانس لتحريك المسلمين من أجل التطوع في صفوف الإنجليز.. فمضى وهو يحسب أنه يقوم بخدمة للثورة العربية، إذ يقدم لحلفائها رافداً من القوة يساعد على التعجيل بنهاية الحرب.. ولكنه ما إن بدأ محاولته مع علماء الإسلام وزعماء المسلمين حتى شرع يواجه الحقيقة التي قد نسيها تماماً..
لقد اصطدم بعقبات من الوعي الإسلامي لم تدع له أي أمل بنجاح رحلته..
إن المسلمين في الهند - حتى العامة منهم - يعتبرونها معركة بين الإسلام والصليبية، وينظرون إلى الخليفة كرمز لوحة العالم الإسلامي، فالخروج عليه إنما هو خروج من الإسلام إلى الكفر.. إنهم لا ينكرون أن ثمة أخطاء في مسيرة دولة الخلافة، ولكنهم موقنون بأن تصحيحها ليس في تأييد أعدائها.
وقد بلغ تشدد مسلمي الهند في هذا الموقف إلى حد أن إرهاب الإنجليز، على قسوته وهوله، لم يحل بينهم وبين الجهر بمبادئهم هذه، وهؤلاء علماؤهم، وفي مقدمتهم مولانا محمد علي، ينهضون بعبء الدعوة للتمرد على الإنجليز، ويعلنون بكل الوسائل وجوب النصرة لإمام المسلمين في هذه الحرب.. ويرفعون الشعار القائل: إن كل متطوع في جيش الإنجليز لحرب الخليفة خارجٌ عن ربقة الإسلام، مرتد عن سبيل المؤمنين.. وقد صدع مولانا محمد علي بذلك حتى أمام المحكمة التي شكلها الإنجليز لمحاكمته وإخوانه من علماء الإسلام، فاتخذ من قفص المحكمة منبراً لإعلان حكم الشريعة الذي لا يقبل رداً ولا نقضاً..