- ولماذا نقاتل دولة الخلافة مع الإنجليز؟.. مع ألد أعداء الإسلام؟..
واستحال عليه أن يجد جواباً حاسماً لأي من هذه الأسئلة، ومن هنا تفاقمت حيرته، وانطلق خياله يحوك له أشباح الأحداث في صورة مثيرة لا يقع فيها على ما يَسُر..
إنه ليتذكر الآن المشهد الذي واجهه ذات يوم في تصرفات (لورنس) .. ذاك الذي يصر على أن يلقب بصديق العرب.. إذ كان يشرف على نسف الخطوط الحديدية بأيدي جنوده من العرب المسلمين، فما إن يقتلعون منها قطعة حتى تضج كفاه بالتصفيق لهم، وما إن ينسفون جسراً حتى يقبل على مفجري ألغامه يعانقهم، ويمطر بالقبلات الحارة رؤوسهم.. ولا يكتفي بهذا حتى يطرح نفسه فوق أطلال تلك الخرائب، كأنه يهب لها أيضاً نصيبها من قبلاته!.. ولمَ كل هذا الفرح؟!..
ولأول مرة يحرك فخري شفتيه بهذا الجواب: لأن لورنس كان يعلم أنه يسجل بكل ضربة لهذا المشروع انتصاراً للصليبية المطاردة للإسلام!..
أليست سكة حديد الحجاز هذه هي الرباط العصري الذي يشد أجزاء الوطن الإسلامي إلى مركز الخلافة؟.. أليست هي الخطوة الكبرى والأولى في سبيل تعميق وحدة المسلمين، للصمود في وجه القوة الباغية، التي يحركها الحقد الصليبي المزمن لتدمير الإسلام!..
ومع ذلك.. يتبرع العرب المسلمون بتحقيق هذه الجريمة تحت قيادة صديقهم (لورنس) .. الذي فتنوا به، وبأسلوبه الشيطاني، حتى ليسمون بعض أبنائهم باسمه!..
وكانت أشعة الفجر قد بدأت تتمطى وراء الكثبان البعيدة، فتغتسل الصحراء بأضوائه الرمادية الحزينة.. وكأن يداً خفية تجتذب ذراع فخري فينهض من مصلاه ليحرك خطاه خارج خيمته في أناة، ودون أن يحدد لقدميه اتجاهاً.
ومرّ ببصره على مئات الخيام القائمة هنا وهناك.. وتذكر أن ألوفا يرقدون الآن تحتها، دون أن يفكروا بالمصير الذي يقادون إليه.. إلا حلماً رقيقاً هو أن يقوم للعرب كيان جديد، يؤمن لكل عربي حياة أفضل..