والد إقبال: كان والد إقبال تقيا زاهدا, يهتز فؤاده رهبة وإشفاقا, وتدمع عيناه خوفا ووجلا, كلما ذكرت كلمة النار, وكلما قرأ أو سمع عن هول يوم الحساب, ولنترك الحديث عن والد إقبال لإقبال نفسه يقول إقبال: "وقع على بابنا سائل وقوع القضاء, ورفع صوته كأنه نعيب غراب, وأخذ يهز الباب, ولما آلمني تصايحه وإلحافه خرجت إليه فأهويت على رأسه فبعثرت ما بيده مما جمعه طوال يومه, فلما رأى والدي تلك الحادثة اصفرّ وجهه الأحمر وانحدرت الدموع نهرا على خديه, وقال: "تذكّر يا بنيّ جلال المحشر يوم تجتمع أمة خير البشر, وأرجع البصر كرّةً إلى لحيتي البيضاء, ونحول جسمي المرتعش بين الخوف والرجاء, كن يا بني من البراعم في غصن محمد, وكن زهرة يحييها نسيم ربيع المصطفى".
إنّ الجرعات الدينية النقية لهي الدواء الناجع للبشرية الحائرة, وإنّ في الكؤوس الروحية الخالصة لنشوة سامية تنفي عن الإنسان ظلمات الشك, وتحجب عن عينيه أصنام اليأس والاستسلام, ولطالما ارتشف إقبال من تلك الكؤوس, فشفت من نفسه جراحا, وأبانت له عن طريق سليم واضح, وكشفت له عن أشياء ما كان ليكشف عنها, وينعم بجمالها لولا تلك الجرعات الدينية النافعة, وما أجمل قوله:
وصراخ أيماني وصوت منايا
اليوم أسمعك احتدام مشاعري
سأرى الخلية ما رأت عينايا
المستحيل بدا لعيني ممكنا
كمودة الإنسان للإنسان
لم ألق في هذا الوجود سعادة
أحتج إلى تلك التي في ألحان
لما سكرت بخمرها القدسي لم
ثقافته وعلومه: