فمشركو العرب ادعوا أن القرآن شعر، وادعوا أنه كهانة، ومعنى هذا أن شبه القرآن عندهم بالشعر، وبكلام الكهان هو الذي يمكن أن يذيعوه، وهم حريصون على أن يقولوا ما يمكن أن يُصدّقوا فيه، فهم _ بذلك _ يقرون أنه ليس كسائر الكلام، وإنما هو نوع خاص منه، وقد نفى بعض فصحائهم أن يكون القرآن شعراً، أو أن يكون قول كاهن، كما نفى القرآن الكريم ذلك، فثبت أن القرآن في أسلوبه وطريقة أدائه ومبناه الكلي مخالف لكلام العرب، ومتميز عنه، وإن كانت ألفاظه ألفاظهم، وتراكيبه تراكيبهم.
ومرت حقب، وظهر البحث في إعجاز القرآن الكريم، وفي بيان أسرار هذا الإعجاز، وفي الحديث عنه بعامة، وكادت تتفق كلمة العلماء على أن القرآن الكريم جاء بأسلوب جديد، غير الأساليب التي يعرفها العرب، فليس هو بشعر، وليس هو بخطابة، ولم يجئ على طريق الحكم والوصايا والأمثال التي أثرت عنهم، ولا الرسائل، ولكل من هذه الأنواع (قالب) خاص معروف لدى العرب، والقالب الذي جاء عليه القرآن الكريم غير كل هذه القولب.
ذكر عيسى بن علي الرماني (م ٣٨٦ هـ) في رسالته (النكت في إعجاز القرآن) أن القرآن جاء بأسلوب جديد حيث قال: "وأما نقض العادة فإن العادة كانت جارية بضروب من أنواع الكلام معروفة: منها الشعر، ومنها السجع، ومنها الخطب، ومنها الرسائل، ومنها المنثور الذي يدور بين الناس في الحديث، فأتى القرآن بطريقة مفردة خارجة عن العادة لها منزلة في الحسن، تفوق كل طريقة"[٦] .