للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وسار على هذا المنهج أبو بكر الباقلاني فأطال القول في هذا المعنى، ومن ذلك قوله: "إنه نظم خارج عن جميع وجوه النظم المعتاد في كلامهم، ومباين لأساليب خطابهم، ومن ادعى ذلك لم يكن له بد من أن يصحح أنه ليس من قبيل الشعر، ولا من قبيل السجع، ولا الكلام الموزون غير المقفى، لأن قوما من كفار قريش ادعوا أنه شعر، ومن الملحدة من يزعم أن فيه شعراً، ومن أهل الملة من يقول: إنه كلام مسجع، إلا أنه أفصح مما قد اعتادوه من أسجاعهم، ومنهم من يدعي أنه كلام موزون. فلا يخرج بذلك عما يتعارفونه من الخطاب" [٧] .

ثم أخذ الباقلاني يبرهن على أن القرآن مخالف لكل واحدمن هذه الأنواع، بل نراه يقول في بعض كلامه: "ولو كان القرآن سجعاً لكان غير خارج عن أساليب كلامهم، ولو كان داخلاً فيها لم يقع بذلك إعجاز". وفي موضوع ثالث يقول: "فاستدللنا بتحريهم في أمر القرآن على خروجه عن عادة كلامهم، ووقوعه موقعا يخرق العادة، وهذه سبيل المعجزات".

وظل يردد هذا كثير من العلماء حتى في عصرنا الحديث، فقد قال الدكتور طه حسين، وهو يتحدث عن النثر الفني: "ولكنكم تعلمون أن القرآن ليس نثرا، كما أنه ليس شعرا، إنما هو قرآن، ولا يمكن أن يُسمى بغير هذا الاسم، ليس شعرا، وهذا واضح، فهو لم يتقيد بقيود الشعر، وليس نثرا لأنه مقيد بقيود خاصة به لا توجد في غيره، وهي هذه القيود التي يتصل بعضها بأواخر الآيات، وبعضها بتلك النغمة الموسيقية الخاصة، فهو ليس شعرا ولا نثرا، ولكنه: {كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ} . فلسنا نستطيع أن نقول: إنه نثر، كما نص على أنه ليس شعرا.

كان وحيدا في بابه، لم يكن قبله، ولم يكن بعده مثله، ولم يحاول أحد أن يأتي بمثله، وتحدى الناس أن يحاكوه، وأنذرهم أن لن يجدوا إلى ذلك سبيلا". [٨]