للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد سبق أن نقلت إبطال الرازي للوجه الثاني من هذين الوجهين، فهل هو قائل بالوجه الأول، كما نقل عنه السيوطي في (الإتقان) ؟.

الفخر في كتابه (نهاية الإيجاز) ذكر أربعة مذاهب في الإعجاز، وأبطلها جميعاً، وهي الصرفة (مذهب النظام ومن نهج نهجه) ، والأسلوب المخالف لأسلوب الشعر والخطب والرسائل، وعدم الاختلاف والتناقض في القرآن، وعدم اشتماله على العيوب.

ثم قال: "ولما بطلت هذه المذاهب، ولا بد من أمر معقول حتى يصح التحدي به، ويعجز عنه الغير، ولم يبق وجه معقول في الإعجازسوى الفصاحة علمنا أن الوجه في كون القرآن معجزاً هو الفصاحة".

ثم يفسر (الفصاحة) بأنها "المزايا التي ظهرت لهم في نظم القرآن، والبدائع التي راعتهم من مبادئ الآيات ومقاطعها، وفي مضرب كل مثل، ومساق كل خبر، وصورة كل عظة وتنبيه وإعلام وتذكير".

على أن الرازي نهج في رده على القائلين بأن وجه الإعجاز هو الابتداء بأسلوب نهج القاضي عبد الجبار المعتزلي، فأكثر الردود التي ذكرها الرازي أخذها مما كتابه هذا المؤلف [١٤] .

وسواء كان الأسلوب المنفرد وجه الإعجاز، أو أحد الوجوه، أو ليس وجهاً في الإعجاز، فالذي لا شك فيه أن القرآن الكريم في بنائه مخالف لكل أبنية الأدب العربي، ولكنه _ مع ذلك _ لم يترك وجهاً من وجوه فصاحتهم وبلاغتهم إلا اشتمل عليه.

فهو من ناحية البناء الكلي متميز عن ضروب شعرهم وألوان نثرهم، ومن ناحية استخدام الألفاظ، واستعمال التراكيب آخذ بكل مظاهر بلاغتهم وفصاحتهم.


[١] الإتقان في علوم القرآن ح٢ ص١١٧.
[٢] الرسالة الشافية للإمام عبد القاهر الجرجاني (ضمن ثلاث رسائل في إعجاز القرآن) ص١١١.
[٣] المصدر السابق ص١١٣.
[٤] الأقراء: القوافي. واحدها قرء.
[٥] سورة الحاقة ٣٨_٤٣.