ولقد عرض الفخر الرازي لهذا الرأي وفنده في كتابه (نهاية الإيجاز في دراية الإعجاز) قال: "ومن الناس من جعل الإعجاز في أن أسلوبه مخالف لأسلوب الشعر والخطب والرسائل لا سيما في مقاطع الآيات مثل يعلمون ويؤمنون. وهو _ أيضا _ باطل من خمسة وجوه:
الأول: لو كان الابتداء بالأسلوب معجزاً لكان الابتداء بأسلوب الشعر معجزاً.
الثاني: أن الابتداء بأسلوب لا يمنع الغير من الإتيان بمثله.
الثالث: يلزم أن الذي تعاطاه مسيلمة من الحماقة في: (إنا أعطيناك الجماهر، فصل لربك وجاهر) وكذلك: (والطاحنات طحناً) في أعلى مراتب الفصاحة.
الرابع: أنا لما فاضلنا بين قوله تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} , وبين قولهم:(القتل أنفى للقتل) لم تكن المفاضلة بسبب الوزن. والإعجاز إنما يتعلق بما به ظهرت الفضيلة.
الخامس: وهو أن وصف بعض العرب القرآن "بأن له حلاوة، وإن عليه لطلاوة لا يليق بالأسلوب".
هذا. وقد ذكر صاحب (البرهان) من بين الآراء التي قبلت في الإعجاز رأيين:
الأول: الفصاحة وغرابة الأسلوب، والسلامة من جميع العيوب وغير ذلك مقترناً بالتحدي. قال: "واختاره الإمام فخر الدين".
الثاني: ما في القرآن من النظم والتأليف والترصيف، وأنه خارج عن جميع وجوه النظم المعتاد في كلام العرب، ومباين لأساليب خطاباتهم، واختاره القاضي أبو بكر [١٣] .
فيبدو أنه يفرق بين (غرابة الأسلوب) وبين (خروج القرآن عن جميع وجوه النظم المعتاد في كلام العرب) أو كما عبّر عنه بعضهم (الابتداء بأسلوب جديد) .
فيبدو أنه يظهر الفرق بين الأمرين، وإنما الفرق بين هذين الوجهين أن القائل الأول يجعل (غرابة الأسلوب) أحد أسرار الإعجاز، فهو وجه منضم إلى غيره من الفصاحة والسلامة من جميع العيوب.