للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

في كل زمان يتخذ الناس أربابا من دون الله تسيطر على تفكيرهم، وتصرفهم عن حقيقة الحقائق ويحسون أنها تصرف أمورهم ولا أقول: إنهم يعترفون بهذه الآلهةو الحمد لله ـ أو يدينون لها ويصلون من أجلها، ولكنهم من غير اعتراف منهم يتصرفون بوحي منها، وبتأثيرها عليهم، ناسين المصدر الأعلى والمنبع الزاخر لكل حس وكل نفس وكل حركة، وصدق الله العظيم حين كشف هؤلاء ...

{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً} . فالقوة الحقيقية لله, والقوة الفعالة له وحده..

وكثيرون يتخذون هؤلاء الأنداد وهم لا يشعرون ... هذا الذي يثق في عون فلان، أو يخيل له أن فلاناً هذا يقدم أو يؤخر وينفع أو قد يضر.. ثم هؤلاء المرؤوسون الذين يطأطئون رؤوسهم لسادتهم وكبرائهم ويصدرون عن رغباتهم وأهوائهم ولو تعارضت مع العدل أو تناطحت مع الحق، وما يصح أن تحنى الرؤوس إلا لخالقها، أو تميل ركوعاً إلا لموجدها.

لقد حارب الإسلام بصورة رائعة كل هذا الانحراف منذ البداية، وضرب أمامنا القدوة الكريمة وأعطى العظة البالغة للتخلص من كل شبهة والتجرد لله وحده، والقرآن يحدد وضعه فيقول: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً} .

ثم لماذا نميل يمنة أو يسرة ونحن نرى الله أقرب إلينا من حبل الوريد، نجده تجاه عيوننا، وفي قلوبنا وأبصارنا. وحقيقة الحقائق تطالعنا في كل ضوء مع كل ظل، ولا تعزب عن خاطر المنصف لحظة..