للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

انظر معي هذه الشمس التي تملأ الدنيا ضياء، وهي مع ما تعطي من دلالات عن مصدرها وخلقها تعطي في الوقت نفسه دلالات أصلية على صدق هذه الحقيقة بحركتها وانتقالها وأشعتها، فالضوء والظل وهما ظاهرة مستمرة دائبة تعطي لنا هذه الظاهرة قصة حزينة عن طبيعة هذا العلم المتغير الفاني.

إن الظل يمثل الحياة تماماً، وهو في امتداده لا يستقر على حال بل وفي لحظات استقراره -كما يخيل لنا- يتحرك وينتقل ويتغير.. وفي مقابله الضوء يقوم بمثل هذه التغييرات.. وما هي إلا ساعات وتنقلب الحال، ويأخذ النور مكان الظلام، ويأخذ الظلام مكان النور، وتصبح الشمس في المغرب بعد أن كانت في المشرق.

هذا البرمج اليومي الذي تعرضه العناية الإلهية بالضوء والحس كل يوم لا يحتاج فقط إلى توجيه او تنبيه. وإنما يحتاج فقط إلى (لحظة تأمل) فتحة عين، نظرة فكر، وعلى أثر ذلك تحدث الهزة النفسية والإشراقة الروحية والتفتح القلبي لرؤية النور ولمعرفة الطريق.

وما هو إلا تجرد من الأوهام وتخلص من الجمود وانطلاق من الجهالة إلا ونرى الحقيقة العميقة، الحقيقة الرائعة ونسعد بالإيمان الصحيح يتبعه اعتراف صادع بعظمة الخلاق وإقرار قوي بسلطته المطلقة التي لا يشاركه فيها سواه.

إني أطلب تركيز هذه الحقائق في نفوسنا وضمائرنا ومشاعرنا لتظل عيوننا معلقة بالسماء، مقدرة لحق الله تعالى، فلا تنصرف إلى سواه ولا تتعلق بما عداه. {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ. .}

أيها الإيمان العظيم حينما تنزل إلى قلوبنا وتستقر بين جوانحنا نستطيع أن نكون قوة فعالة تستعذب المر، وتستطيب العلقم وتستذل الجبروت وتحتقر كل متاع الوجود، وتغير جهالات العالم، وتطهر دروبها، وتنير آفاقها. .