فأما التجربة الكلية فقد بدئت في الحجاز من حوالي عشرين عاماً [١] حيث طبقت الشريعة الإسلامية تطبيقاً تاماً, ونجحت نجاحاً منقطع النظير في القضاء على الإجرام وحفظ النظام والأمن, ولا يزال الناس يذكرون كيف كان الأمن مختلاً في الحجاز بل كيف كان الحجاز مضرب الأمثال في كثرة الجرائم وشناعة الإجرام؛ فقد كان المسافر فيه كالمقيم لا يأمن على ماله ولا على نفسه في بدو أو حضر في نهار أو ليل، وكانت الدول ترسل مع رعاياها الحجاج قوات مسلحة لتأمين سلامتهم ورد الاعتداء عنها. وما كانت هذه القوات الخاصة ولا القوات الحجازية بقادرة على إعادة الأمن وكبح جماح العصابات عن سلب الحجاج أو الرعايا الحجازيين وخطفهم والتمثيل بهم. وظل حماة الأمن في الحجاز عاجزين عن حماية الجمهور حتى طبقت الشريعة الإسلامية فانقلبت الحال بين يوم وليلة وساد الأمن بلاد الحجاز وانتشرت الطمأنينة بين المقيمين والمسافرين وانتهى عهد الخطف والنهب وقطع الطريق وأصبحت الجرائم القديمة أخباراً تروى فلا يكاد يصدقها من لم يعاصرها أو يشهدها، وبعد أن كان الناس يسمعون أشنع أخبار الإجرام عن الحجاز أصبحوا يسمعون أعجب الأخبار عن استتباب الأمن والنظام، فهذا يفقد كيس نقوده في الطريق العام فلا يكاد يذهب إلى دار الشرطة حتى يجد كيسه كما فقد منه معروضاً للتعرف عليه، وهذا يترك عصاه في الطريق فتنقطع حركة المرور حتى تأتي الشرطة لرفع العصا من مكانها، وهذا يفقد أمتعته وييأس من ردها ولا يبلغ عنها ولكنه يجد الشرطة يبحثون عنه ليردوا إليه ما فقد منه، وبعد أن كان الأمن يعجز عن حفظه قوات عسكرية عظيمة من الداخل وقوات عسكرية كبيرة من الخارج أصبح الأمن محفوظاً بحفنة من الشرطة المحليين.
تلك هي التجربة الكلية الكاملة وكفى بها دليلاً على أن النظام الجنائي في الشريعة الإسلامية يؤدي عملاً إلى قطع دابر الجريمة وأنه النظام الذي يبحث عنه ويتمناه اتحاد القانون الدولي.