للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أما الثانية: {فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} : تصريح النص والسياق إنها في اليهود لقوله تعالى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} إلى آخر: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} .

وكذلك الثالثة: {فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} لقوله: {وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ} إلى قوله: {وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} . فهذه في النصارى لذكر الإنجيل.

ومن ناحية أخرى: إننا لو نظرنا إلى لفظتي (كافرون) و (فاسقون) , لوجدناهما جاءتا بعد ذكر الكتابين التوراة والإنجيل, أو عموم ما أنزل الله أي أنها في الحكم على من لم يحكم حكما عاما ويأخذ بعموم التشريع بما فيه العقائد والعبادات وتحكيمه ككل لا كجزء.

أما لفظة: (الظالمون) فجاءت عقب تفصيل جزئي في تشريع جانبي خاص بحق الإنسان أي في حق خاص لا في حق عام..

والحق الخاص مبني على القصاص, وهو المساواة أو التسامح, فإن أسقط الإنسان حقه سقطت فيه المطالبة, فمن تصدق به فهو كفارة له.. بخلاف العقائد والعبادات فهي لازمة لا يملك المكلف إسقاطها ولا التصدق بشيء منها.

فهي حق دائر بين المسامحة والمطالبة, {فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَه} , و {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ..} ومن طالب بحقه فلا بدّ فيها كلها من القصاص والمماثلة. {النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ..} إلى {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} . وإذا لم ينفذ هذا ويحكم بمقتضاه كان الظلم لا محالة؛ لأنه إذا أخذت اليد بالعين والسن بالأنف لم تقع المساواة, وإن أخذت عروض وأموال في أحدها..