ثم في غفلة من العلماء، وإضطرابات في السياسة والحكم كر الشيطان على هذه الأمة ناقما عليها أشد نقمة فشرق في ديارها وغرّب وجال جولته فيها وصال وعاد بها إلى أسوأ من الجاهلية الأولى شركا ووثنية فعبدت الأشجار والأحجار، والأضرحة والقبور والقباب، والمزارات فكم ذابح لغير الله وكم ناذر لغير الله وكم من مستغيث مستجير بغير الله وكم من داع ضارع خاشع أمام قبر، أو ضريح، وكم حالف مقسم معظم غير الله تعالى وكم وكم وكم وكل ذلك باسم التبرك والاستشفاع والتوسل وهو شرك جلي لا خفي وأكبر وليس بأصغر، ولا يطلقون عليه اسم الشرك خوفا من لعنة الله ظانين أن الأسماء تغير من الحقائق ووجدوا علماء جهالا ضلالا يأكلون ويشربون على حساب عقيدتهم فحسنوا لهم الشرك وزينوه لهم نيابة عن الشيطان فعلموهم الاحتجاج عليه والدفاع عنه، وأنه ليس بشرك وإنما هو توسل وتبرك واستشفاع، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وساءت أحوال المسلمين السياسية بسوء أحوالهم الدينية والعقائد فسهل على العدو الكافر المتربص بهم الانقضاض عليهم والفتك بهم وسلب السلطة والحكم من أيديهم، فما هي إلا سنيات وجل بلاد المسلمين تحت سلطان الكافرين والمسلمون مستضعفون محكومون مقهورون لا دولة لهم ولا سلطان كل ذلك من آثار الشرك السيئة على المسلمين، وما إن طلع في الأفق رجال من أهل التوحيد ينادون بإصلاح العقائد وتطهير النفوس من الشرك والخرافة حتى تحرك المسلمون نحو التحرر والخلاص من قبضة الكفر ما هذا الاستقلال وإن كان مكبلا مسلولا إلا من بركة تلك الحركة الإسلامية التي وجدت في ديار المسلمين والتي بدأت أول ما بدأت به تطهير عقائد المسلمين من الشرك والخرافات ثم انتظمت سائر وجوه الحياة.