ولا أظن أن الأمر بعد هذا الاعتراف من هذا المستشرق يحتاج إلى أي إيضاح إلا أن نقول أن عدداً من المستشرقين الذين تهاوت الغشاوة عن أعينهم فأدركوا إدراكاً جازماً حقيقة هذا الدين وصدق الرسول صلى الله عليه وسلم. كانت عقدة الغرور الأوروبية تعود فتتغلب على عقولهم فإذا بهم يعربون في غرور وصلف عن الأسى الذي يحز في نفوسهم الحاقدة وعن عدم مقدرتهم لاتباعه الحق مع معرفتهم له:{قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا} ..
وينقل عن المستشرق الفرنسي رينان وهو من أشهرهم أنه قال:
إنني لم أدخل مسجدًا من غير أن أهتز خاشعاً وأشعر بشيء من الحسرة على أنني لست مسلما [٧] .
٣- ذكرنا اتهام المستشرق- جب - لعقلية المسلم بأنها عقلية (ذرية) لا تدرك الأشياء إدراكاً كلياً، ونحن لن نناقش هذه التهمة لكننا نقول إن المستشرقين في دراساتهم الإسلامية يصدرون عن عقلية عجيبة لا هي بالذرية التي تدرك الأشياء بجزئياتها ولا هي بالكلية التي تدركها إدراكا كليا..
فدراسة عقيدة الإسلام أو شريعته أو حضارته أو تاريخه تحتاج إلى فهم كلي شامل لطبيعة هذا الدين وخصائصه ومقوماته حينئذ فقط تكون دراسة أي جزء من أجزاء البناء الإسلامي المتكامل سليمة ومجدية هذا من جهة..
ومن جهة أخرى إن دراسة أي جزء من أجزاء بناء الثقافة الإسلامية يجب أن تكون وفق المنهج الإسلامي المتميز باصطلاحاته وقواعده إذ أن كل جزء من أجزاء ثقافتنا له مصطلحات ورموز وقواعد إن لم يدركها الدارس يتخبط في دراسته ويخلط الحابل بالنابل حتى يصل إلى مستوى علمي رديء فيه يسمى عند علمائنا حاطب ليل..
لكننا نرى المستشرقين في سائر دراساتهم فقدوا هاتين الناحيتين أو هم تجاهلوها فهم يفهمون الإسلام كما تهوى أفئدتهم بل كما تخيل إليهم نفوسهم غير الشاعرة المطبوعة على الروح النصرانية الحاقدة..