فأنى لهم أن يدركوا حقيقة الإسلام الكلية الشاملة التي إن فقدت لدى باحث - أي باحث - اطرحنا أحكامه ودراساته جانباً لأنه حينئذ سيهيم على غير هدى في خضم (تراث) متلاطم الأمواج تلاطم بحر الظلمات..
إننا نجد المستشرقين في دراساتهم للإسلام فقدوا إدراكه حتى بالجزئيات فإذا درسوا الحديث أو الشريعة كان من مصادرهم الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني والعقد الفريد لابن عبد ربه وربما اعتمدوا عند الحاجة على أغرب من ذلك من المصادر الواهية المختلطة. فإن علم بعضهم المصادر الحقيقية من أمهات كتب الحديث والفقه فأنى لهم التمييز بين المرويات وتجريد الصحيح من الموضوع والراجح من مسائل الفقه من المرجوح.
وكم اعتمدوا في دراستهم التاريخية على (الإمامة والسياسة) المنسوب لابن قتيبة أو (بدائع الزهور ووقائع الدهور) وربما (ألف ليلة وليلة) وقد صار لها شأن عظيم لديهم فحرصوا على ترجمتها إلى لغاتهم وأحاطوها بعنايتهم.
وإن علم بعضهم أن تاريخ الإسلام يؤخذ من مصادره الحقيقية ككتب ابن جرير وابن كثير وابن إسحاق ونحوها فأنى لهم تحقيق ما في هذه المصادر الجامعة من الأخبار والتمييز بين سقيمها وصحيحها وهل تتحمل أفئدتهم وتقبل أهواؤهم تجشم المشاق الهائلة في سبيل ذلك كله..
إن الدارس المنصف لا يحتاج إلى أكثر من عقلية (ذرية) لكي يدرك أن حقيقة الإسلام لن يجدها عند أبي جهل كما أن حقيقة مريم الصديقة الطاهرة لن يجدها عند اليهود، وأن من يبحث عن الذهب والفضة والجواهر الكريمة لا يذهب إلى الحداد..
والمستشرقون يعترفون بناحية النقص الخطيرة هذه التي ذكرها في دراساتهم في بعض المناسبات يقول العلامة مصطفى السباعي رحمه الله عن حديثه عن المستشرقين في كتابه (السنة) :