ولقد وجدته إنسانا كريماً وداعية مخلصاً يحمل فكرة سامية لها معانيها الأصيلة وآثارها الطيبة، وأبعادها العظيمة، فصليت بجانبه لكي أتعرف عليه قبل أن يغادر الأرض المقدسة. وكنت أسارقه النظر وقتاً فوقتاً لمحبتي له وبعد انتهاء الفريضة مد يمينه لمصافحتي، فصافحته شاكراً له هذه المبادرة الطيبة، ومرحباً به. وأثناء هذه المصافحة بادلني عبارات الحب والوئام فشكرته أجزل الشكر فرأيته وعيناه تسكب الدموع والعبرات، وهو يحاول أن يخفي عني ما في نفسه من آمال كبيرة، وأحلام سعيدة، ولم يكن بكاؤه ذلك إلا كبكاء الصديق رضي الله تعالى عنه عندما جاءه الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم في الظهيرة وقت هجرته صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة، ذلك البكاء الذي تقول عنه الصديقة بنت الصديق رضي الله عنهما في حديث طويل لها أخرجه محمد بن إسحاق في السيرة.
قالت:"كان لا يخطئ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتي بيت أبي بكر أحد طرفي النهار، إما بكرة، وإما عشية حتى إذا كان يوم الذي أذن فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم في الهجرة، والخروج من مكة من بين ظهراني قومه، أتانا رسول الله عليه وسلم بالهاجرة في ساعة كان لا يأتيها، ثم قالت رضي الله تعالى عنها: فقال أبو بكر: الصحبة يا رسول الله، قال: الصحبة، قالت: فوالله ما شعرت قط قبل ذلك اليوم أن أحداً يبكي من الفرح حتى رأيت أبا بكر يبكي يومئذٍ ثم ذكرت الحديث بطوله"[٢] قلت: هذا هو الشاهد من إيراد هذه القصة المباركة.