بأن بكاء هذا الرجل كان كبكاء الصديق رضي الله عنه في فرحه واستبشاره. فلم يكن منه حفظه الله تعالى إلا أن أخذني إلى جانب من جوانب الحرم المكي الفسيحة وهناك جلس معي بجلسته المتواضعة، وكأن هذا الموضع هو الذي خصصه لنفسه، لأنه كان يرمي طرفه كله إلى البيت العتيق لكي يتحنث فيه - وهو التعبد الليالي ذوات العدد [٣] فبدأ بحديثه الممتع بعد كلام قصير عرّفني فيه نفسه فقال: يا بنيّ: منذ أن شددت الإزار، وأنا في أقصى الأرض أشاهد العالم الإسلامي، وحالة المسلمين الاجتماعية، والثقافية، والسياسية، وغير ذلك من الأمور العظيمة التي دعا إليها الإسلام، فلا أجد لها أثراً كبيراً بارزاً على هذا العالم فضلاً عن العالم الإسلامي إلا في بعض الأجزاء، في عصور مختلفة.
أقرأ القرآن الكريم والسنة الصحيحة النبوية، والتاريخ الإسلامي الصحيح، فأجد فيها نوراً مبيناً، وبرهاناً واضحاً ونظاماً عالمياً، وسياسة حكيمة، وعقيدة صافية نقية، وأخوة كريمة، ودعوة سامية، وعلماً نافعاً ينفع في الدين والدنيا، ثم أتعمق في صفحات التاريخ الإسلامي مرة ثانية فأجد فيه تطبيقاً كاملاً، وموافقة تامة لما في هذين المصدرين العظيمين في تلك العصور الذهبية التي توالت، وتتابعت على الإنسانية، فكانت هذه العصور غرة في جبين التاريخ الإسلامي الحافل لأن العلم الصحيح كان فيها بارزاً في حياة المسلمين. وكانت له سيادة، وقيادة، وإمامة، وما كان الشيء يتحرك سواء كان كبيراً، أو صغيراً إلا بأمره، وإشارته، فوجدت يا بنيّ مطابقة كاملة، وتطابقاً كلياً بين آيات القرآن الحكيم والسنة النبوية المطهرة الصحيحة، والتاريخ الإسلامي الصحيح.