وجدت في التاريخ حوادث عجيبة في النظام، والأمن، والاستقرار، والهدوء والأخوة والمحبة لا نظير لها فيما شاهدت منذ أن تحسست هذا الشعور، وحملت هذه الفكرة، فكان هذا التناقض الخطير بين حياة المسلمين الحالية وبين ما في الكتاب العزيز والسنة النبوية، والتاريخ الإسلامي في تلك العصور المشار إليها أقلقني جدا، وحيرني، ولقد عرفت الأسباب الأساسية لهذا التناقض تماما، والتي تكلم عنها، وأشار إليها أدباء المسلمين في عصرنا، في كتبهم ومقالاتهم، ومؤتمراتهم، واجتماعاتهم وكلٌ حسب طاقته، واستعداده. ولكن لا جدوى لأن القوة الباغية كانت أقوى بكثير، لأنها تملك وسائل الدعاية الماكرة التي لا يخفى أمرها على العالم كله، فضلا عن المسلمين والتي كسرت شوكة العرب في معارك دامية بينهم وبين عدوهم، وشتتت شملهم، وفرقت قلوبهم وقتلت شبابهم وأرواحهم فأتت بفساد كبير في الأخلاق والآداب وغير ذلك في المجتمع الإنساني فضلا عن المجتمعات الإسلامي وغيرها، ولم يتنبه لها إلا قليل من النفر الصادقين المخلصين، وقد غزت ديار المسلمين بشكل فظيع، وفلّست البلاد والعباد، وأفسدت الشباب، وحطمت الاقتصاد وانتهكت الحرمات والمقدسات إلى غير ذلك من الأمور الهائلة. وقد بدأ الرجل بحديثه هذا عن الشيوعية والاشتراكية، والصهيونية فأتى بمعلومات خطيرة وأثبت أنها فكرة الأعداء السياسية، وسلاحها الوحيد ضد الأمة الإسلامية، وكان ظهورها بين صفوف المسلمين لعدم تطبيق النظام الإسلامي العظيم الخالد الذي - لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد - ذلك النظام العالمي الرفيع الذي إن طبقه المسلمون كما جاء عن الله تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم تضمحل تلك الدعوات الهدامة تلقائياً دون الحاجة إلى وسائل دعاية أخرى تقوم بضدها، ولكن يا بنيّ: قد عرف العرب تماما الآن - فيما أشعر - أنهم كانوا في غمرتهم، وسكرتهم فيما مضى من الوقت. ولقد تنبهوا الآن