قال: إنني أستطيع الآن أن أقول أن كل الناس لا تفهمني، كنت أظنك الوحيد الذي تفهمني فإذا أنت تجتهد في فهمي أيضا، وما كان ينبغي لك ذلك ألم تقل لي أننا غرباء، فإذا كنا من أهل الدنيا فلسنا فيها بالغرباء..
نظرت إليه ثم سكت فترة ليست بالقصيرة وأنا أتابع ذكرياته معي في السنوات الماضية واجتهاده وتدينه. والحق أن سؤالي له كان بقصد مني، لقد أردت أن أعرف مقدار التدين وعمقه لديه، ثم نظرت إليه فجأة وفي توجيه خاطف سألته: وإلى أين بعد التخرج؟ قال: ولماذا تتعمد السؤال المفاجئ هكذا؟ أتريد أن أتلعثم في الإجابة. لا والله لقد أعددت الجواب منذ وقت طويل.. إنني يا أخي ذاهب إلى الله.. قلت عجباً والآن أليس إلى الله، قال بلى ولكن الوصف الذي ينطبق على نفسي الآن أنني مع الله، قلت له: أسامة أرجو تفسيرا أكثر.. قال لبيك.. أخي إنني بعت نفسي لله بكل رضا وما بقي إلا أن أتحين الفرصة المناسبة لعل الله يقبلني.. قلت: وتتركني وحدي يا أسامة، إن الرياح تعصف من حولي بشدة والغبار يحجب الرؤية والظلمة شديدة وماذا أفعل أنا يا أسامة؟ قال: لا تتعجل ومن يدري إن الأعمار بيد الله وفجأة صرخ طفل صغير فدخل أسامة مسرعاً ثم عاد بعد قليل، قلت خير قال خير إنه أخي أحمد، أمي مشغولة عنه بالصلاة وهو دائماً في عراك مع اخوته. وساد السكون بيننا وقتاً وخواطري تحوم وتجول، إن اخوته صغار ولكن كم يتعب الجسد إذا كانت النفس كبيرة الغاية شريفة الأمل. ثم نظر إليّ واستطرد قائلا: أين أنت؟ لعلك غبت عنّا إلى بعيد.. كفاك أخي هذا الشرود.. لا تفكر فيما تكفل الله به.
نظرت في ساعتي ثم قلت: أسامة أستودعك الله وإلى الغد نلتقي إن شاء الله..