إننا مدعوون شئنا أم أبينا إلى خوض معركة فاصلة مع أعدائنا يكتب لنا فيها البقاء أو الفناء، وهذه المعركة هي أشد ما تعرّض له المسلمون من محن في تاريخهم لأنها لا تستهدف من الغلبة الاستيلاء على الحكم فحسب وإنما تستهدف ذات وجودنا روحا وقلبا ووطنا فإما أن نبقى وإما أن نذهب إلى الفناء.
أقول: إننا مدعوون راضين أو كارهين إلى المعركة الفاصلة، فإن لم نتقدم إليها بتخطيطنا وتصميمنا استقدَمنا إليها أعداؤنا استقداما، فهم جادون في تنفيذ ما حلموا به قرونا وأزمانا وما أيسر انتصارهم علينا إن جرونا إليها جرا لا يكون أمرنا أصعب من أمر الأنعام التي تساق إلى المسلخ مقهورة وما أمنعنا وأشدنا إن كنا نحن البادئين المفاجئين قد عقدنا العزم وأعددنا العدة، وأمسكنا بزمام الأمر وأخذنا مطالع السبل وأحطنا بالعدو ثم أدرنا عليه الدائرة.
وقد جعل الله للنصر أسبابا وللظفر سبلا هدى إليها المؤمنين المخلصين فكانوا بها الغالبين والفاتحين، ولو أخذنا في إحصائها لوجدنا من أهمها:
أ- بناء الحياة الإسلامية على قاعدة الجهاد:
علينا أن نبادر إلى إقرار حقيقة لا تُدفع هي: أن الانتصارات العظمى في تاريخ الأمة الإسلامية قد قامت على قاعدة راسخة تجعل من الجهاد في سبيل الله الأساس في كيان الجماعة الإسلامية ومنطلقهم إلى العالم والحياة، إن الوجود الراكد لا يقبله ديننا، بل هو في جوهره إخراج الناس من الركود إلى الحركة، أو من الحركة المشتتة المخربة إلى الحركة المنظمة البناءة التي تهب السعادة وتنشر البشر والخير، وهي القاعدة التي أقام الله عليها الوجود الإنساني كله، قال تعالى:{وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ}[١]