ولقد أكمل الله الدين للمسلمين وأتم عليهم نعمته، ومن ذينك الكمال والتمام أن يجعل منهم القوة الدافعة في الأرض لتجتث جذور الكفر ولإفساد.
إن إكرام الله للمسلمين لن يجعل منهم جنده المنتصرين المنصورين.
تلك هي الحقيقة يزيدها سطوعا ما أعلمناه الله من استغنائه عن خلقه، واستقلاله بالنصرة دونهم لمن شاء من عباده، وأنه ما حمّلهم أمانة الجهاد والانتصار لله إلا إنقاذاً لهم وتكريما، فعرّف المؤمنين ما كان من نصره للرسل وحده وللنبي محمداً صلى الله عليه وسلم فقال تعالى:{إِلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا}[٢] فأين كانوا وكيف كانوا يوم أنزل جنوده وحمى نبيه.!
وفي محكم الكتاب آيات مفصلات لكثير من المواقف الحرجة التي تنزل فيها نصر الله على رسله وعباده الصالحين في ساعة اليأس، فقد نصر الله يوسف عليه السلام بعد أن ألقاه إخوته في غيابة الجب في بيداء منقطعة ثم مكّن له في الأرض، وأنقذ موسى وقومه من فرعون الطاغية ولم يقاتلوا ولم يناوشوا فضرب لهم في البحر طريقا يبسا وأغرق فرعون وجنوده بعد أن كاد الهلع يأتي على قلوب بني إسرائيل، كذلك منّ على أصحاب الكهف لما خافوا أن يغلبوا على أمرهم وأن يفتنوا عن دينهم فلجئوا إلى الله لا يرون ربا غيره ولا يطيبون عن إيمانهم نفسا، فنادوا متضرعين مستنجدين. {رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَداً}[٣] فآواهم إلى الكهف وضرب عليهم النوم قرونا وحماهم بمعجزة عليا هو وحده عليها قادر.
تلك هي معجزات الله لو شاء الله أن يستغني عنا في نصرة الدين لفعل، ولكن كان التكليف بها منة منه علينا وإفضالا وإكراما؟ إنها ثقة الله في عباده المؤمنين الطائعين.