للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وحسبنا أن نعلم أن الأمة المسلمة تدين بوجودها وبقائها لما أيدها الله به من انتصارات وفتوحات باهرات.

فإن الجماعات التي تعجز في الدفاع عن كيانها تنتهي كما انتهى كثير من شعوب الأرض-إلى الزوال.

وقد كان المسلمون في فجر الدعوة والهجرة قلة مستضعفين لم تسلم لهم القبائل والبلاد المحيطة بهم باعتراف رسمي، وكانوا هدفا للعدوان يخشون أن ينصب عليهم من جهات الأرض، فاستل الله من قلوبهم الخوف إذ قادهم بأمره وتقديره إلى بدر ليجربوا بلائهم لأول مرة وليستمرئوا طعم الظفر حتى يمعنوا في طلبه، وليمن عليهم بنصر علوي يرفعهم لذروة الفخار والاعتزاز فلا يرضون بعدها بخسف أو ذل، وليشعروا بأنهم قادرون على حمل أعدائهم على أن يخلوا بينهم وبين أنفسهم يعبدون الله أحرار ويدعون إلى سبيله أحرارا.

أيها الإخوة.

إننا مدينون بدين صعب الوفاء لهؤلاء البدريين-رضوان الله عليهم-الذين صنع الله على أيديهم النصر الأول قاعدة مجاهدة الأعداء بالسيف.

وقد أمر الله المؤمنين أن يذكروا معتبرين ذلك اليوم العظيم الذي وطّد كيانهم وأخرجهم من الخوف إلى الأمن ومن التردد إلى الحزم ومن التوقف إلى العمل، ومن الدفاع إلى الهجوم، قال تعالى: {وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون} [٤]

ولاشك أن الله سبحانه إذ فُرض القتال على المسلمين طريقا إلى النصر اختار لهم منهجا سويا سليما يحفظهم من آفات الحضارة، ومن أمراض النفس ودواعي الخزي والذل والموت إذ ركّب الله في النفس البشرية قوتين متعارضتين وميلين متناقضين: