وهذا هو الانتصار الداخلي في النفس الذي لا يكون النصر المسلح إلا به، وإن أية تجربة عسكرية لا ترتكز إليه مقضي عليها بالإخفاق، وكان الله عليما حكيما إذ أخرج المؤمنين في السنة الثانية من الهجرة من المدينة حيث الظل والشجر والأمن إلى بدر وكان فريق منهم ألفوا هذه الحياة المطمئنة فأرادوا عيشا يسيرا من غير جهد، وأراده الله لهم مجبولا بالعرق، غاليا كالمهج وصور لنا نفوسهم فقال تعالى مخاطبا رسوله صلى الله عليه وسلم:{كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ}[٦]
لقد قضت سنة الله أن يحق الحق بسيوف عباده الذين انتدبهم لنصرة الحق، وهم لا يقدرون على النصر حتى يؤثروا الجهاد على ارتباطات الحياة كلها، ولا يجدوا في الموت ضيرا ومن ثم أوجب الله تعويد النفوس حب ما تكره من القتال، وكره ما تحب من ملازمة الأرض وإيثار السلامة.