كل ما في الأمر: هو أني كنت قد استعرضت بعض الآخذين بالفهم الذي أخالفهم فيه لمبدأ تغير الأحكام بتغير الأزمان. وعندما أخذت أناقش بعض عباراتهم لم يخطر ببالي من قال بقدر ما كان يهمني ما قيل. فإذا كان الدكتور الدواليبي قد استشعر شيئا من الحدة في بعض ما جاء في مقالتي من عبارات، أو استنبط شيئا من إيراد بعض الآيات القرآنية بعينها. فإنه مدعو إلى أن يتروى قليلا. ذلك أن الأمر لا يعنيه من قريب أو بعيد. وإنما الأمر كله ناتج عن الإحساس بوطأة العابثين بشريعة الله، ومنذ أن شنّ الغرب الحاقد غارته على الشرق الغافل مخترقا كل ما لنا من ماض نعتز به، أو فكر نفاخر فيه، أو هدف نجاهد من أجله أو ثروة فقهية هي مدار فخرنا على الزمن. فاستطاع أن يثير بين صفوف أمتنا الريبة والشك. وأن يزرع بين شباب جيلها هذا زرعا خبيثا، فاتخذ له قاعدة ضمن نفر من الناس لغتهم كلغتنا، ورسومهم كرسومنا، إلا أن هواهم مع عدونا وقلوبهم على غير مشاربنا، فكانوا قلة مشاغبة تعارض الكثرة في الرأي وتخالفها في الهوى، وتغري بها الشر، وتمالئ عليها العدو، وتحاول أن تتحيز في الفكر واللسان. وقد مكنت من ذلك بشتى الأساليب.