ولقد انساق بعض حسني النية وراء هذه اللعبة الغامضة، ووقعوا في الشرك الدفين فأخذوا - بحسن نية وسذاجة - يحاولون التوفيق بين الخطأ الجديد والصواب القديم، ويجمعون بين الرأي الناصح الصادق، والإيحاء المخاتل المتآمر. وكان الفقه الإسلامي مدار عبثهم هذا، فطغت عليهم شهوة الاجتهاد الساذج المرذول، وسيطرت على عقولهم الجانحة نزوة التجديد والابتكار، واستجلاء ما غمض عن الفقهاء والمفسرين والمجتهدين من السلف الصالح. وإن كان لهذا من أسباب فهو لا يعدو كونه نتيجة للثقافة الخاوية، والأمية الغاشية، والتربية العقلية المهملة، والهوى المتنقل، والطبع الهازل السؤوم. فكان الضغط من هذه المواقع شديد على مواقع الإسلام، حتى استجاب بعض الناس لهذا الضغط، فأخذوا يؤولون ويدارون ويداورون.
فمن قائل بجواز القرض بالفائدة من الدولة مبرراً ذلك بأن التصرف مع الدولة يختلف عن التصرف مع الأفراد.
ولا أدري ما إذا كان هذا الرأي يشمل شرب الخمر ولعب القمار إذا ما تبنت الدولة ذلك؟
ويقول آخر: بأن الفائدة في التعامل المصرفي جائزة، مستنداً في ذلك إلى تشويه رأي لفقيه معاصر لا يقل حرصا على الشريعة عن الدكتور الدواليبي نفسه.
ويقول آخر: بأن السفور والاختلاط لا يتنافيان مع الشريعة الإسلامية، مستندا إلى حادثة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذها بسطحية متناهية على فرض صحتها، متغاضيا عن ظروف النص وخصوصيات رسول الله والأمثلة على مثل هذا كثيرة. وكلها لا تعدو كونها استجابة لذلك الضغط الهائل الذي أخذ يضيق الحبل حول الفقه الإسلامي. لغرض لا أظنه خافيا على أحد.
أعود إلى ما ذكره الدكتور الدواليبي حول موضوع تغير الأحكام بتغير الأزمان وانطباق هذا على حد السرقة. لقد كان الدكتور الكريم قد ذكر في كتابه (المدخل إلى علم أصول الفقه) ما يلي: