وهكذا نجد أن الجهاد باعتباره قاعدة الحياة يبعث في نفوس أتباعه القدرة على الانتصار الذاتي أولا ثم ينهض بهم إلى قهر خصومهم وتثبيت مركزهم وتأثيل ملكهم، ثم يحبب إليهم الاستزادة من الانتصارات والارتقاء في سلم السؤدد والمكرمات.
على أننا بوصفنا الجهاد بأنه قاعدة الوجود الإسلامي الدنيوي نعطيه نصف الحقيقة والحقيقة التامة أن الجهاد ركيزة حياة المؤمن في الدنيا والآخرة معا: إنه جواز سفره إلى الجنة قال تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ}[٩] إن الانتصارات الحربية تصبح تافهة الشأن إذا قيست بالهدف العلوي الذي يسعى إليه المسلمون المجاهدون.. أقدامهم ثابتة في أرض المعركة وآمالهم في السماء يتحينون النصر أو الشهادة طمعا بالجنة. وهؤلاء المؤمنون الذين يحملون بين جنوبهم قلوبا يعمرها الإيمان بالله والشوق إلى جنانه هم الذين أمروا بالقتال، قال تعالى:{فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً}[١٠]
وهكذا يطيف الجهاد بالمؤمنين من جوانب حياتهم كلها: في حاضرهم ومستقبلهم، فهو السد المنيع لهم من الخذلان في الدنيا، والجنة من عذاب لله في الآخرة.