أما النقد والبلاغة وتاريخ الأدب ونحو ذلك فلا حاجة إلى دراستها في هذه المعاهد، لأن المعلم لن يحتاج إلى تدريسها في المرحلة الابتدائية، وأرى أن نسير على هذا النهج وهذا المستوى في سائر المواد العلمية والمسلكية، فما يحتاج إليه الطالب معلمُ المستقبل نقرره عليه، وندرّسُه له، وما لا يحتاج إليه فلا داعي أن نرهقه به، ونُضيع عليه فرصة التوسع والتعمق في موادّ أخرى مفيدة له، فالمناهج إنما توضع على أساس أن يتسع لها الوقت، وعلى أساس أن تهضم وتستوعب، وعلى أساس أن ينتفع بها الطالب في مهنة المستقبل ويصطحبها حين تخرجه.
وبتخرّج الطالب من معهد المعلمين تنتهي المرحلة الثانية وهي مرحلة الإعداد وتبدأ المرحلة الثالثة.
المرحلة الثالثة
وتبدأ المرحلة الثالثة بمزاولة المعلم عمله، وبتجريب ما تعلّمه، والذين يظنون أن مرحلة الإعداد قد انتهت بانتهاء الدراسة في معاهد المعلمين هم أناس يتعجلون، فدراسة الطالب في المعهد دراسة نظرية لم تخضع للتجربة الصادقة والتمحيص الدقيق، ودروس التطبيق التي قام بها في أثناء دراسته دروس قليلة غلب عليها طابع التصنع والتكلف، وأسابيع التدريب التي علّم فيها قبيل تخرجه قليلة لا تكسبه خبره، ولا تشعره بالمسؤولية.
أما حين يصبح معلماً رسمياً مسئولاً، يعلّم دروسه وهو يعلم أنه مسئول عما يعلّم وعمّن يعلم، وتلاميذه يعرفون منه ذلك، فهو يعيش حياة جديدة وتجارب جديدة، وتلاقيه الصعوبات والمفاجآت التي لم تخطر له على بال وحينئذٍ يلتفت يمنةً ويَسْرة، لعله يجد من ينصح ويرشد ويعين.
وهنا يجب على التوجيه التربوي أن يقوم بزيارات سريعة لهؤلاء المعلمين الجدد، وأن تستمر هذه الزيارات إلى أن يصبح التدريس عملية طبيعية لا تكلف فيها ولا تخوّف، وتصبح خطوات الدرس في دفاتر التحضير وفي غرف التدريس سليمة من الاضطراب ومن العثار.
وحينئذ نستطيع أن نقول إنه قد تم إعداده بصورة مبدئية.