إن الوصول للواقع التاريخي كما حدث ووقع - بالفعل - أيها الأخوة ليس مستحيلاً.. بل هو ممكن إذا صحت العزيمة وصدقت النية وتوفرت الإمكانات، إذ أن سبيله قائمة، وأولها: الوحي الإلهي في الكتاب والسنة، كما ذكرنا حيث يشكل نوراً يستضيء به المؤرخ المسلم في بحثه عن الواقع التاريخي. وثانيها: أمهات كتب التاريخ التي ألفها علماؤنا الأفذاذ كالطبري وابن كثير وابن الأثير وغيرهم كثير، وقد امتازت كتبهم بذكر السند في الرواية التاريخية مما يمكن المؤرخ المتتبع اليوم من تحري الحادثة التاريخية كما وقعت بدراسة سندها على طريقة علماء الحديث في الجرح والتعديل وكذلك تمحيص متن الرواية التاريخية على ضوء الكتاب والسنة لاسيما إذا كانت تتعلق بالصحابة -رضوان الله تعالى عليهم - وتتعرض لعدالة أحد منهم.. الخ. وبذلك يتمكن المؤرخ من تحري الواقعة التاريخية، وإبعاد ما تعرض لنسيان الراوي - زيادة كان أو نقصاً - أو ما تعرض منها لتشيع الراوي أو غير ذلك من الشوائب التي تنقص من قيمة الواقعة التاريخية. بل إن بعض مؤرخينا الأفذاذ ساروا على هذه الطريقة في تجريد بعض الروايات وترك الأخرى جرياً على عادتهم في جمع كل ما يصلون إليه من روايات التاريخ دون تمحيص تاركين لمن يأتي بعدهم أن يقوم بهذه المهمة، بعد أن مهدوا له الطريق بذكر سند الرواية التاريخية. جزاهم الله تعالى عن الإسلام والمسلمين خيراً.