وهدّد فرعون موسى - عليه الصلاة والسلام - قائلاً:{لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهاً غَيْرِي لأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ}(الشعراء: ٢٩) . فهو لا ترضيه السيطرة على أوضاع الناس بل يطغى للسيطرة على عقولهم وقلوبهم فلا تنشرح لشيء إلا بعد استئذانه ولو كان الإيمان بالله تعالى. قال فرعون لسحرته حين أسلموا ولم يستأذنوه بانشراح صدورهم للإيمان بالله تعالى وتغيير معتقدهم الباطل، وتصديق موسى -عليه الصلاة والسلام - {قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ}(طه ٧١) . إنها بنظر الكفر هي الجريمة الكبرى التي يستحقون عليها القتل والصلب وتقطيع الأيدي والأرجل من خلاف فهددهم قائلاً:{فَلأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} .
والإسلام بما في طبيعته من طهر ونظافة يريد تطهير الناس وضمائرهم وبيوتهم وواقعهم من لوثات الكفر والفسق والعصيان.
ولكن الكفر بما في طبيعته من انحراف وفجور ورجس:{إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ}(براءة ٢٨) يكره هذا الذي يريده الإسلام للناس وينقم عليه، لأنه يريد لهم الانحراف واتباع الشهوات.
والإسلام بما في طبيعته من حيوية وحركة وجد ينطلق يجاهد الكفر أنّى وُجد ويطارده من القلوب والعقول، ومن واقع الناس وأنظمتهم.. وقد ظهر إصرار الإسلام، على مطاردة الكفر، في انطلاقه خطوة بعد خطوة، وغزوة بعد غزوة، ومرحلة بعد مرحلة، يطارد الكفر ويحطم قواه التي بها يصول ويجول، ويزيل أنظمته وأوضاعه الجاهلية التي يعبد بها الناس لغير ربهم - سبحانه - ويفتنهم عن دين الله تعالى وهداه. [٢]