للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والآن أود أن أطرح على نفسي هذا السؤال: ما حقيقة هذه العلاقة التي أسميتها (علاقة دعوة) ؟ إن هذه العلاقة في حقيقتها هي منهج متكامل لمواجهة أيما عقبة يحتمل ظهورها في طريق تبليغ دعوة الحق للأحمر والأسود، وهذه المواجهة مبنية في حكمة بالغة، ودقة دقيقة على سنن الله في الأشياء، ومقتضيات الظروف في كل مرحلة من مراحل تاريخ الدعوة الذي لن ينتهي - بإذن الله - إلا بقيام الساعة.

فهذه العلاقة - بناء على ذلك - تتخذ أشكالاً شتى تبعاً لمصلحة الدعوة أي تبعاً للمصلحة الحقيقية لأهل الأرض جميعاً، لأن مصلحتهم الحقة هي التي تترتب عليها سعادتهم الشاملة في هذه العاجلة، سعادتهم الأبدية في الآجلة، وكل مصلحة سواها، ليست سوى (ملهاة) .

ولأستعرض الآن نماذج للأشكال التي عرفتها هذه العلاقة في ضوء الواقع التاريخي، وفي ضوء الظروف العلمية التي مرت بها٠

أولاً: المرحلة المكية:

كل الظروف التي واجهت علاقة المسلمين بالمشركين في هذه المرحلة كانتا تقضي أن تكون علاقة غير قتالية، أي علاقة بيان للحق، وصبر على الأذى فيه، واحتساب لكل ما عرفت رباع مكة ورمضاؤها، والطائف وفجاجها، من أذى لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وعذاب لبلال وآل ياسر، وزنّيرة، وخباب، وغيرهم رضي الله عنهم أجمعين، وليس معنى ذلك أن علاقة المسلمين بغيرهم هي - أبداً - علاقة بيان وسلام فحسب، بل إن مصلحة الدعوة في مواجهة ظروفها في هذه المرحلة، هي التي اقتضت أن تكون كذلك، بحيث تتناول الناس بالأساليب السلمية، وبيان الحقائق بياناً مؤثراً، ما كان - أجدره بأن يستجيب له القوم، لولا إتباع الهوى، ولولا سلطان المصالح الحائلة الزائلة، من زعامة، ووجاهة، ومكاسب مادية، وما إلى ذلك.