للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

"إن هذه الأمة هي ناس من خيار الناس، أكرمهم الله سبحانه بالاجتماع على الإيمان والعمل بما جاء من عنده، وجعل ولاءهم المطلق له ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وشرفهم بتكليفهم دعوة العالم كله إلى ما هداهم إليه من الحق وأوجب عليهم جعل حياتهم خالصة له، لا يضنون بشيء منها نفساً أو نفيساً في سبيل تبليغ الدعوة، تصحيحاً لحياة الناس، وإخراجاً لهم من عبادة العباد إلى عبادة الله، وإسعاداً لهم في معاشهم ومعادهم، وهذه الأمة بطبيعة هويتها تسمو في تفكيرها وسلوكها فوق جميع الاعتبارات التي لا تنطوي على قيم حقيقية، كالاعتزاز باللون أو الجنس أو النسب أو الأرض، أو ما شاكل ذلك، وهي إنما تبتغي بدعوة الناس كل الناس إلى الحق وجه الله والدار الآخرة، دونما تطلع إلى استعلاء، أو استعمار، وإنما هي الرغبة المخلصة، والجهاد الجاهد لإشراك الجميع فيما أولاها الباري سبحانه من نعم معنوية أو مادية.

ولعلي أستطيع أن ألخص الكلام في (هوية) أمتنا المسلمة بقولي: "إنها أمة عقيدة ودعوة"، فإذا عرفنا ذلك وتذكرها أثر (هوية) الأمم والدول في سلوكها، وفي علاقتها بسواها من الأمم أدركنا غير ما عناء أن علاقة أمتنا المختارة بالأمم الأخرى على اختلاف ألوانها، ولغاتها، وأديانها ليست في- حقيقتها - علاقة سلم ولا حرب، ولا دفاع ولا هجوم، وإنما هي (علاقة دعوة) ، وصدق العلي القدير إذ يقول - كما سلف الاستشهاد -: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} .

فالأمة المسلمة – إذن - أمة دعوة عالمية تتخطى في إيمان، وسمو، وعفوية، كل الحدود والحواجز التي تنتهي إليها، أو تتهاوى عندها المبادئ الأخرى،سواء كانت هذه الحدود جغرافية أو سياسية أو عرقية أو لغوية ... أو نحوها، وهي بذلك تفتح أبواب رحمة السماء لأهل الأرض أجمعين.