"من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم، سلام على من اتبع الهدى، أما بعد فإني أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم، وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت فعليك إثم الأريسيين، ويا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله، ولا نشرك به شيئاَ، ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله، فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنّا مسلمون".
وظاهر أن محور هذا الكتاب هو الدعوة إلى الإسلام، مدعمة بما يترتب على الاستجابة إليها من سلامة وأجر، وإنّ الكتب الأخرى التي حملها سائر من بَعَثَ رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الملوك لا تخرج - في الجملة - عن معنى هذا الكتاب، فهي تنضح بروح الدعوة التي هي - كما نعلم - جوهر العلاقة بين أمتنا المسلمة والأمم الأخرى.
وهناك شيء آخر يشارك إرسال الرسول بالكتب إلى الملوك في الدلالة على ما نحن بصدده، ألا وهو استقبال الوفود التي وفدت على رسول الله صلى الله عله وسلم، ولا سيما في السنة التاسعة والعاشرة، حتى دعيت السنة التاسعة - فيما ذهب إليه ابن هشام [٣٨]- سنة الوفود.
والسبب الأول في إقبال هذه الوفود على المدينة هو فتح مكة سنة ثمانٍ، إذ بفتحها سقطت زعامة الشرك، وهوت رايته من أقوى يد كانت تحملها، وسبب آخر له أثره في تحريك هذه الوفود إلى طيبة عاصمة الدعوة المنتصرة، ألا وهو غزاة تبوك سنة تسعٍ، وما واكبها من انسحاب الروم إلى معاقلهم داخل بلاد الشام، فأيقن العرب بعد هاتين الحادثتين أن الأمر جد أي جد، وانه لا مناص من الاستجابة للحق، فالمكابرة مهما طالت غير مجدية ...
وعامل آخر كان له أثره في تعميق شعور القبائل بوجوب هذه الاستجابة، وهو إسلام ثقيف، لأنها كانت آخر قبيلة عزيزة الجانب لم تدن بالإسلام، على أن استجابتها هي نفسها كانت من نتائج إسلام العرب من حولها، وإحساسها بأنها لا طاقة لها بحربهم جميعاً.