للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وبعد أن ينتهي المحاضر من حديثه عن خصائص الثقافة الإسلامية ينتقل لبيان آثار هذه الثقافة التي قدمت للفكر الإنساني كل جديد في كل جانب من جوانب نشاطه، ففي مجال المثل والقيم، دعت الثقافة الإسلامية إلى مثل جديدة تعتمد على الإيمان والحق والعدالة.. وهي تنبثق من نظرة الإسلام إلى الإنسان وتكريمه، وخلافته على الأرض، كما قدمت نظرة شاملة متوازنة إلى الكون وسننه، وإلى الإنسان وعمله ومسؤوليته.

وفي مجال العلاقات الاجتماعية، قدمت الثقافة الإسلامية فلسفة جديدة للروابط بين الفرد والأسرة والمجتمع.. فلسفة تقوم على تكافل هذه الحلقات جميعا وتوجيهها للعمل من أجل صالح الإنسانية.

وفي مفهوم الدولة وعلاقة الشعب بالحكمة وعلاقة الدول مع غيرها كان الفكر الإسلامي سابقا إلى تحديد هدف بعيد للدولة الفاضلة التي تحكم أمر الله في كل شؤونها، وتحرر الفرد من كل عبودية لغير الله.

وكان من آثار الثقافة الإسلامية أنها أعطت العرب والمسلمين عموما شخصية فكرية متميزة لم تكن لهم من قبل، حيث كانوا يفتقدون أهم ما يكون الأمة ويكمل شخصيتها شعورها بذاتها ويمنحها الثقة بنفسها ألا وهو الرسالة والعقيدة والفكر الموحد.

وكان من آثار هذه الثقافة في مجال الفكر والتقدم العلمي: أن ساهم المسلمون خلال القسم الأول من القرون الوسطي بما لم يساهم به شعب من الشعوب، وظلت اللغة العربية لغة العلوم والآداب والتقدم الفكري لمدة قرون في جميع أنحاء العالم المتمدن آنذاك، ولا شك أن لمبادئ الإسلام في الإيجابية والعمل أثرها في اصطباغ هذه المعارف بالصبغة العملية، ونستطيع أن نتصور كم تكون عليه حال العلوم والمعارف من النماء لو أن المفكرين المسلمين حافظوا على أصالة التوجيه الإسلامي ولم ينحرفوا عن النهج الصحيح إلى الاستغراق في جدل ونقاش فلسفي ومذهبي كان من نتيجته ضياع الطاقات الذهنية في غير ما جدوى.