ثم ينتقل المحاضر إلى الحديث عن التحديات التي جابهتها الثقافة الإسلامية فيبين أن الثقافة الإسلامية تعرضت مع نهاية العصر الأموي إلى حملات من الزندقة والإلحاد والتشكيك بعقيدة التوحيد، وخاض الناس فيما أمتنع عنه الصحابة والمسلمون من قبل ونشأ علم الكلام ودخل فيه شؤون كثيرة غير ضرورية، وأصبح الجدل نفسه غاية وهدفا بعد أن كان وسيلة لبيان الحق والدفاع عنه، وكان لابد من عودة الفكر الإسلامي إلى صفائه ونقائه وتميزه وكان للائمة ابن حنبل وابن تيمية الأثر الكبير في إعادة الأمور إلى نصابها، فقد تحمل الأول عنت السلطة وجبروتها، بينما جعل الثاني الاحتجاج بالقرآن الكريم والحديث النبوي أساسا للوصول إلى نفس الهدف.
ومن التحديات التي جابهتها الثقافة الإسلامية الغزو الفكري اليوناني حيث أصبحت الفلسفة اليونانية بدعة المثقفين في العصر العباسي، وبرز عدد من الذين يمثلون هذه الفلسفة ويدعون إلى الاستعاضه بها عن الفكر الأصيل، كالفارابي وابن سينا وابن رشد وابن طفيل، وكان طبيعيا أن يقف رجال الثقافة الإسلامية الأصيلة أمام هذا الغزو الجديد لإعادة النقاء إلى الفكر الإسلامي. وكان لابن تيمية وأمثاله جهاد أفضل في الدفاع عن وجه الثقافة الإسلامية الأصيل..
وبعد هذا البيان ينتقل المحاضر إلى الحديث عن تحديات الثقافة الغربية وحضارتها، فيبين أن الغزو الغربي هو أعظم تحد عرفته الثقافة الإسلامية على وجه العموم وقد أتخذ هذا الغزو شكلين: الغزو المسلح، والغزو الفكري. وكان الخطر من الغزو الفكري كامنا أولا: في طبيعة الثقافة الغربية واختلافها في معظم مبادئها عن الثقافة الإسلامية، وأنها كانت نتيجة الصراع بين العلم ورجال الدين. وقد تبنت فصل الدين عن الدولة في الحياة الاجتماعية والسياسية وتغلغلت روح الإلحاد والتحلل عن قيود الدين في أسلوب المفكرين وفي علومها وآدابها وفلسفتها.