أجل، لقد نالوا هذه الدرجة العالية بسبب تمسكهم بهدي نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم، وبالتحاكم إلى كتاب ربهم عز وجل إذ أمروا بالرجوع إليهما عند التنازع، فلم يعيشوا على التعصب المقيت لرأي فقيه يخطئ ويصيب، لم يعيشوا غير مبالين بنص المعصوم صلوات الله وسلامه عليه، ولم يبتدعوا في دين الله علما منهم أن الدين قد تم وكمل وارتضاه الله دينا لعباده يدان الله به. فهذه الزمرة الطيبة تستحق أن يسقيها نبيهم وإمامهم في الدنيا صلى الله عليه وسلم من الحوض لا أحرمنا الله من الإرتواء منه؛ ومن مساكنة هذه النخبة من الأطهار الأبرار الذين أنعم الله عليهم تفضلا وتكرما منه، إذ هو الموفق سبحانه وتعالى للثبات على صراطه الحق. وأما الصنف الثاني: فقد يسر الله له سبيل الهداية، هداه إليها فعلا فتنكر للجميل، وكفر النعمة واستحب العمى على الهدى إيثارا للحياة الدنيا على الآخرة، وتفلتا من الانقياد لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم حتى يطلق لنفسه الأمارة بالسوء العنان لتمرح وتسرح وتلعب وتلهو، وتأتي الفواحش ما ظهر منها وما بطن؛ فهذا الصنف من البشر استحق بذلك غضب الله، وباء بالخيبة والخسران. فهذا اللون من الناس وجد في اليهود عليهم لعائن الله، فهم كانوا يعرفون محمدا صلى الله عليه وسلم كما يعرفون أبناءهم، عرفوه نبيا ورسولا معرفة عالم باحث منقب، إذ ذكرت رسالته وبعثته في صحفهم، ومع هذا وذاك فقد رفضوا وردوا هداية الله وهم علماء. ويا ليتهم اكتفوا بذلك، بل امتدت أيديهم الشريرة إلى سفك دماء أنبياء الله صفوة الله من خلقه؛ فضربت عليهم الذلة والمسكنة وباءوا بغضب من الله. اللهم إنا نعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك. واستوحينا هذا المعنى من قوله تعالى:{غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ}(الفاتحة: من الآية٧) .