للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هذا سلفي من الصفوف الأولى يعطي أعظم مثال على ذلك، انظر إلى عمر ابن الخطاب رضي الله عنه وهو يتسوق لابنته زوجاً_ واسمحوا لي في هذا التعبير الكاشف _ وهو في عمله النبيل يضع الحدود للفرق بين الحلال والحرام وبين الحق والباطل في شجاعة واعتزاز والتزام بالحق وحده دون النظر إلى أي اعتبار آخر. والغريب أن راوي القصة هو ابن عمر نفسه ناقلاً عن أبيه في شأن أخته وتقول الرواية كما رواها البخاري:

عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: "أن عمر رضي الله عنه حين تأيمت بنته حفصة قال: لقيت عثمان ابن عفان رضي الله عنه فعرضت عليه حفصة, فقلت: إن شئت أنكحتك حفصة بنت عمر. فقال: سأنظر في أمري, فلبثت ليالي ثم لقيني فقال: قد بدا لي ألا أتزوج يومي هذا, فلقيت أبا بكر رضي الله عنه فقلت له: إن شئت أنكحتك حفصة بنت عمر, فصمت أبو بكر ولم يرجع إلي شيئا, فكنت عليه أوجد مني على عثمان, فلبثت ليالي ثم خطبها النبي صلى الله عليه وسلم فأنكحتها إياه, فلقيني أبو بكر فقال: لعلك وجدت علي حين عرضت علي حفصة فلم أرجع إليك شيئاً, فقلت: نعم, قال: فإنه لم يمنعني أن أرجع إليك فيما عرضت عليّ إلا أنني كنت علمت أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكرها، فلم أكن لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم, ولو تركها النبي صلى الله عليه وسلم لقبلتها". رواه البخاري.

ولو أن هذه البنت لرجل متأنق لا يعنيه أمر الحلال والحرام، وإنما تأخذه العزة بالإثم، والغيرة الحمقاء لفضل لها أن تجري في الشوارع والطرقات، وتتحول إلى فتاة أندية ومجتمعات، ولا يحاول أن يأخذ بيدها إلى طريق الصون والعفاف.

فالزواج عند أهل الشريعة عصمة لا متعة مجردة، وحماية لا استعلاء أو استيلاء. ولا غرابة أن نجد بعض الأئمة حينما يخطب إليهم الولاة الذين لا يثقون في عدلهم يرفضون زواج بناتهم لهم، ويقبلون زواجها من فقير داخل تحت عموم قوله: "ترضون دينه".