وتتابع الصور داخل المجتمع السلفي على هذا النسق. هذا أخي عميد إحدى الكليات يجلس في قاعة مكتبه الشاسع المجهز بأحدث المظاهر الحديثة فعن يمينه جهاز تكييف، ومن أمامه عدة آلات تلفزيونية وإنه لحريص على العناية بعزته وكرامته، ولكن هذا لا يجعله ينظر إلى غيره نظرة مختلفة، بل إن عامل المكتب وساقي الشاي يجلس معه في نفس الغرفة وعلى مكتب أنيق يشبه مكتبه، وفي مواجهته يضع ساقاً على ساق إن أراد، وإنه لينهض عنه ليدور بإبريقه على الضيوف ثم يعود إلى مكتبه والإبريق معه.
وصورة ثالثة في هذا النطاق حيث نرى شيخاً ينتهي من تضرعه أمام الكعبة وقد انصرف الكثيرون لحالهم، ثم يلتفت الشيخ عن يساره فيلحظ شبحاً يتأمله فإذا به يعرف فيه تلميذه المهذب الحريص على العلم. ويحد البصر إليه فإذا به يراه قد حمل مكنسة هائلة يدفع بها الأتربة عن رخام البيت العتيق في إخلاص وبراعة. ويحول الشيخ نظره عن تلميذه حتى لا يضايقه أو لا يحرجه.
ولكن التلميذ طالب العلم ما يكاد يلحظ أستاذه حتى يعرج عليه لتحيته ويقدم نفسه إليه أنه يعمل هنا بمكنسته, والمكنسة العظيمة قائمة بين يديه, ولا يشعر الطالب بالحرج لأن العيب ما عابه الشرع, ويقدر الشيخ لتلميذه مشاعره ويزداد احترامه له.
ونترك هذه الصفحة إلى صفحة أخرى لمتابعة البحث والاستنتاج ولتكن في هذه المرة قضية الغيرة التي يتفرد بها المجتمع العربي بالتشدد فيها أكثر من غيره من المجتمعات ونرى خط السير لهذه العاطفة وكيف يتوجه بفضل الإسلام، وبفضل الالتزام لنصوصه. ونرى النتائج في هذه القضية أيضاً يحكمها المبدأ السابق وهو: أن القبيح ما قبحه الشرع والحسن ما حسنه الشرع وكيف كان ذلك؟