أما (الواقعية الشرعية) فهي تستمد وجودها من الشرع حيث يرتفع المبدأ الأصيل الخالد وهو (القبيح ما قبحه الشرع، والحسن ما حسنه الشرع) . ولنشرع في عرض صور لهذه (الواقعية الشرعية) . ولنأخذ صناعة الفرد في المجتمع فإننا نشاهد أن معظم المجتمعات تنظر إلى هذه الصناعة على مقياس التقويم والتكريم للرجل حسب المكانة الاجتماعية أو ما تدره من أرباح، وقد نرى نزعات مثالية داخل هذه المجتمعات تعارض هذه المقاييس. ولكن الأمر في المجتمع السلفي ليس أمر نزعة مثالية وإنما هو أمر واقع عام يشترك فيه الصغير والكبير والمتعلم والجاهل. واسمع لهذه القصة:
التقت سيدة سلفية بأتراب لها من جنسيات مختلفة والمقام حتماً يدعو إلى الفخر والمباهاة, ولكن السيدة السلفية بما تعودت في مجتمعها تميل إلى الصدق ولا ترى أي غضاضة في الحديث عن حالها بصراحة، فتحدثت على نهجها ذاكرة كيف جاء أبوها زائراً لها في العيد الأكبر وقالت من غير حرج: إن أبي يعمل في مقهى بأحد الثغور السعودية ويقوم بتقديم الشاي والقهوة لرواد المقهى، وعندما جاء لزيارتي جاء ومعه حقيبة جمع فيها ما تجمع له من قروش أثناء الموسم.
وتعتبر مثل هذه الصراحة في نظر أترابها غير السلفيات جنوناً وخيبة أمل؛ لأنه لو كانت واحدة منهن في موضعها لقالت عن أبيها: إنه يعمل مديراً لكازينو الشمس والهواء العالمي. . وزبائنه الأمجاد لا يدفعون له الثمن بالقروش ولا بالجنيهات وإنما بالدولارات والشيكات. . .
والتفسير الصحيح للسيدة السلفية قائم على أساس منطق الحلال والحرام فما دام الأمر لا يصل إلى منطقة الحرام فهو عمل شريف وكريم ونبيل، أما عند غيرها فهناك منطق غير الحلال والحرام، فالحلال والحرام قد لا يكون مدار الاهتمام، وإنما مدار الاهتمام هو مقدار ما تعكس الصفة من دخل أو مكانة كاذبة.