قالت الأم: وقد اندهشت من هذا الوعي والنضج الفكري في ابنتها الوحيدة وفلذة كبدها الحسناء غادة: لا تعجبي يا صغيرتي فإن عَمَهَ البصير أشد على الإنسان من عمى البصر ألم تقرئي يا غادة في القرآن الكريم قوله تعالى: {فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} , وقوله تعالى:{وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} , وقوله تعالى:{وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ} . فلقد غفل أولئك وتنبهت أنت، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء. والزهرة هذه التي رأيتها يا غادة ليست إلا نقطة صغيرة من بحر زاخر بالنسبة لما في هذا الكون من الآيات والعجائب المبصِرَة المبصَرَة فما رأيته يا غادة في الزهرة أراه أنا في كل شيء، فالأرض بما فيها من وهاد وجبال وحزون وسهول تكون في فترة ما مجدبة قاحلة لا أثر فيها للحياة وكأنها إنسان ذهب عنه الشباب فشحب لونه وتجعدت أطرافه وعلاه الشيب وما هي إلا لحظات فإذا السحاب الثقال الذي يحمل بلايين الأطنان من الماء العذب ينتقل إليها من مسافات بعيدة فينزل الغيث فإذا الحال تنعكس وتدب الحياة.